إلى حسان في ذكرى ولادة...
ليس من شموع تليق بيوم مولد سيّد الكلمات...
وهل للشموع مقام في حضرة نجوم تتسابق لتستمدّ من معانيه
ضوءها، وتفخر بأنّها عدد لمعدود لا يُعدّ...؟
بخٍ... بخٍ لك أيتها النجوم الرافلة بطهر حضوره... ومبارك
معنى يستمدّ نوره من سرّ أعوامه ومعانيه...
وهل للمعاني عمر تراكمه السنون؟
ثمانية وعشرون عامًا والنجوم تضيء معموديّة التقوى،
وترتّل أنغام اليقين والإيمان...وأنا رقم مهمل أنكره ضوء شمع يجيد الاغتسال في ماء
ذاته.
ثمانية وعشرون عامًا ونفسي مثقلة بطيب الذكرى ولا من شمع
يراكمني... ولا قناديل تعلن نهاياتها...والعيون ما برحت تسبح في مواقد تعبّدها... .
ثمانية وعشرون عامًا خطّتها روزنامة الحياة وما زال نور عينيك
يرشح بسرّ الولادة، ويرسم حروف ضوء تتوضّأ بها معاني الصور...
في ذكرى ولادة...تحوكني الصور، فينجدل الحنين وردة تعيد
تشكيل فرحها من أكمام حزنها. فهل الذكرى نور و نار؟ وهل الولادة بداية ونهاية؟ وهل
الموت نهاية وبداية؟ وهل أنت أيتها النفس المغتسلة بزيت ألمها يغريك حرف النون أم الباء أم تستعجلينهما معًا؟
بداية ونهاية ... فمتى كان بدء؟ ومتى كان نهاية؟ وهل
يفصلهما إلاّ صفر هو أصل في معنى الأرقام؟ وهل الصفر إلاّ غلة سعي بين يأس ورجاء؟
والرجاء انبلاج الرغبة في رحيل حيث لا بدء ولا نهاية...؟
نعم يا بني يعود يوم مولدك وعمري مازال يغتسل بلحظات
الفرح المعجون بالانتظار، فأركع في محراب الوعد، وأرسم من مناغاتك قوة لا تعرف
الهرم، وأكتب من وحي عينيك آيات لطفولة شحنت نفسي بالإيمان والتقى والرضى
والطمأنينة؛ فأبصرك شابًا تدفّئ بسمته صقيع شيخوختي..
في ذكرى مولدك يا بني تتأنّق صورة مهد شهد نورًا سماويًّا
كان يشعّ صلاة وتقوى كلّما سمع صوت آذان أو
دقّ أجراس...
فوق ذاك المهد ارتسمت هالة سلام فاضت إيمانًا ورضى ونعيمًا ومزيدًا من
الشكر. ولكن ما الزيادة التي جاء بها الشكر؟ ألم يأتِ في الكتاب العزيز:"
ولئن شكرتم لأزيدنكم"؟ فلماذا أثمر الشكر ثكلاً؟ ولماذا يقصف غصن أمومتي؟ ولماذا كانت زيارتك
قصيرة؟
كان لزيارتك
بيتنا منذ ثمانية وعشرين عامًا معاني فاضت فرحًا صلاة وشكرًا وخصب يقين؛ فأزهر نور
عينيك صلاة وتقى وهناءً وانهلّ ثغرك وعودًا ما حلم بها عقل ولا تخيّلها يقين...
معك يا حسان كنت
أشعر أنّني إنسان يعرف معنى الاكتمال البشريّ. لقد منحني نور حضورك فرحًا عظيمًا ما زلت أفيء إليه في صحراء عمر أرهقه حدو
الحنين..
على أهداب شجني يا بني أشعل تباريحي... وأسرج صلاة الشوق...وعيناك
يا حبيبي منارة رجائي...
ثمانية وعشرون عامًا وما انطفأ سرّ يديك.. وما ذبلت
ترانيم شفتيك ... فمتى يكون موتي وتكون قيامتك؟
وحدها نجوم السماء تعلن قداسة زمن ما زال طيب بخوره
يبلسم جراح الثكل...ويبارك ترانيم عتبات الشوق...فتنجدل شموع رجائي ضياء وعد..
كانت زيارتك بيتنا وعدًا انتظرته بألق الأمومة، وكان
رحيلك قدرًا صلّيت وركعت وسجدت ورجوت ليكون لطيفًا...
ها هما يداي، يا حبيبي، لم يرهقهما انتظار بخورك... وها
هما عيناي ما برحتا تقرآن ترانيم الفرح والألم والفقد والثكل والصبر...
إنّه الرجا، يا
حسان، يلّذ له الاشتعال على بيادر أمومتي وحنيني، فيصير القمح قناديل تحتضن أضواء نجوم
تحتفي بيوم ولادة.
في ذكرى مولدك،
يا بني، ما زال الشوق يتأجّج إلى حدب يديك، وإلى فيض حكمتك، وإلى عطر هنائك...
يراكمنا الانتظار وليس من شمع يغسل احتراق أيامي...وحدك يا بني تبارك معنى الصفر
في ذكرى يوم ولادة... فهل الصفر غلة فرحي وحزني؟؟؟
بارك أيّها الملاك الطاهر مجامر صبري وانتظاري... لقد
ملّني الصبر والتصبّر، وليس من فرحٍ أعظم
من فرح اللقاء.... فمتى يولد فرحي؟
مها خيربك ناصر
بيروت 22/12/ 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق