الاثنين، 15 أغسطس 2016

صورة العربيّ في السرد الإيرانيّ
رواية "القدم التي بقيت هناك"[1] أنموذجًا[2]
أولاً: فاتحة البحث
يرسم الأدب الصورة الأكثر تعبيرًا عن حياة الأفراد والشعوب والأمم، وهو أشبه بسجّل حضاريّ تبوح نصوصه بحقائق لا يُدركها مدونو التاريخ، لأنّ الأدب هو الإنسان، والإنسان مذ كان، تتحكّم فيه رغبات ومطامع وأهواء وآمال وأحلام تبدو متماثلة ومتناقضة في اللحظة عينها، لذلك يأتي المنطوق الأدبيّ حاضنًا ومختزنًا ما تماثل وتنافر من المشاعر والأحاسيس البشريّة، ومُخبِرًا ، أيضًا، عن العادات والتقاليد ، وعن القيم الحضاريّة والمعرفيّة التي كان لها الدور البارز في تشكيل الوعي المعرفيّ والثقافيّ والحضاريّ.
يشكّل الفن القصصيّ منطوقًا أدبيًّا، قوامه سرد الأحداث ورسم مشاهد تنمو وتتحرك من خلال حوار يفصح عن عواطف الشخصيات وعن مواقفها وعلاقاتها بما يحيط بها من قضايا في زمن متحرّك لا يعرف ثباتًا، وفي أمكنة تشهد ثباتًا وتغيّرًا يفرض أنساقَهما تطوّرُ الأحداث المرتبطة حكمًا بحضور الشخصيات وبنفسياتها وبأدوراها على مسرح الصراع الوجوديّ.
تتمايز اللغة السرديّة بدقّة التصوير ومصداقيته، لأنّها تمتلك القدرة  على تشكيل الصور القابلة للتظهير والتعبير عن المقاصد والغايات والأهداف، وعمّا استبطن في لاوعي الكاتب، ولذلك كانت الأعمال السرديّة التي تتكلّم على علاقة الأنا بالآخر مشحونة بصور تعكس جوهر النظرة إلى الكون والحياة والآخر المختلف قوميًّا أو دينيًّا أو اجتماعيّا أو ثقاقيًّا أو حضاريًّا، فصور اللغة السرديّة تبوح بالحقائق الظاهرة والمستبطنة، وتفصح عن طبيعة المشاعر والأحاسيس وعن عوامل التأثّر والتأثير، وتنطق، في اللحظة عينها، بقيم السارد ومقاصده وأهدافه وبرؤيته للحياة والكون.
تؤكّد عملية رصد للأدب المقارن العربيّ والفارسيّ بروز ظاهرة التأثّر والتأثير بين الأدبين، سواء أكان ذلك على مستوى اللغة أم الأدب، وهذه الظاهرة تكشف عن تقارب فكريّ واجتماعيّ وإنسانيّ بين الأدباء، وتكشف، أيضًا، عن دور الأدب في توطيد العلاقات الاجتماعيّة والإنسانيّة، غير أنّ بعض الدراسات تركّز على الحقد والتباعد ونظرة الاستعلاء والشوفانيّة من خلال قراءة نصوص أدبيّة أفضى تأويلها إلى وضع فرضيات وتصوّرات مؤسسة على معطيات قالتها كتابات بعض الأدباء الإيرانيين، وصار هذا الجزء في ثقافة بعض العرب يشكّل كلّ ما أنتجته الأقلام الأدبيّة الإيرانيّة من أنواع أدبيّة وفكريّة وثقافيّة.
إنّ التعميم في قضايا الأدب يعطّل دور الفكر النقديّ، ويضلّل الرؤية الموضوعيّة، لأنّه يربط القراءة النقديّة بأفكار مسبقة تقول النتائج قبل القراءة والتحليل، فيصير النصّ المقروء محكومًا بمؤثرات شخصيّة ونفسيّة أو قوميّة وعرقيّة أو دينيّة ومذهبيّة أو سياسيّة وحزبيّة من دون أن تكون رغبة في قراءة ما احتجب وراء ظلال التراكيب من حقائق معرفيّة وفكريّة وثقافيّة وإنسانيّة تضمر علاقة الأنا بالآخر في أزمنة وأمكنة قريبة أو بعيدة، لأنّ الذوات البشريّة تتماثل بقدر ما تتمايز، وبالتماثل والتمايز يُدرك جوهر العلاقات البشريّة الخاضعة لمتغيّرات تفرضها الجغرافيا والتواصل الاجتماعيّ والثقافيّ والحضاريّ والمصالح الاقتصاديّة والسياسيّة والدفاعيّة  التي لا تعرف الثبات، وثمرة هذه المتغيّرات تحتضنها نصوصٌ أدبيّة إبداعيّة مشحونة بالهواجس والأحلام والرؤى والتطلعات والحقائق الإنسانيّة.
مما لاشكّ فيه أنّ الأدبين العربيّ والفارسيّ يفصحان عن حقيقة العلاقات العربيّة الإيرانيّة الخاضعة، عبر حركيّة التاريخ، لمؤثرات سياسيّة وغير سياسيّة فرضت حضورها على قراءة الصور الأدبيّة وتأويلها، فقرأ بعض الباحثين العرب الصور المرسومة بالكلمات قراءة سلبيّة نتج منها مقولة تؤكّد نظرة الشعب الايرانيّ الاستعلائيّة والشوفانيّة في مقابل نظرة دونيّة إلى العرب، لأنّ  المقولات والصور تشكّل في تفكير كلّ من العرب والايرانيين خريطة إدراكيّة تحدّد علاقة كلّ منهم بالآخر، وهذه الخريطة الإدراكيّة  تختزن مقولات وصورًا تنطق بالحذر والخوف والشك والتقليل من شأن الآخر.
يكشف  كتاب "صورة العرب في الأدب الفارسيّ الحديث" للكاتبة الأميركيّة "جويا بلندل سعد[3]"  عن نظرة الايرانييّن الدونيّة  إلى العرب، وترى الكاتبة أنّ الايرانيين يحمّلون  العرب والإسلام مسؤولية تراجع الحضارة الفارسيّة[4]، فأبرزت  الصور البشعة التي رسمها صادق هدايت ومهدي أخوان سالس ونادر نادر بور الذين افتخروا بالجنس الآريّ ومجّدوا الأمّة الإيرانيّة العظيمة، وأظهروا احتقارهم العرب، فوصفوهم بأنّهم قذرون وقبيحون وجهلة وذوو بشرة سوداء ومتوحشون وغير إنسانيين ومرتبطون بالصور الدمويّة. والعرب، في يقين كلّ منهم، لا يعرفون الحياء، وهم يمتلكون صفات الشياطين.
تفرض الموضوعيّة النقديّة ألاّ يربط القارئ  هذه الصور البشعة بكليّة المنتج الأدبيّ الإيرني المعاصر، لأنّ الأدباء الذين تناولتهم الكاتبة الأميركيّة تأثّر معظمهم بسياسة الشاه المعاديّة للعرب، فكتاباتهم منتج أدبيّ ذو بصمة سياسيّة، وخير برهان على ما ذهبنا إليه موقف الأديبات الإيرانيّات اللواتي أنتجن أدبًا متحرّرًا من رغبات السلطة، فخلت، على سبيل المثال لا الحصر، كتابات فروغ وطاهرة وسيمين من أيّ صورة مشوّهة للعرب أو الإسلام، وكذلك موقف محمد علي جمال زادة كان مقبولاً، فهو يحترم الدين الاسلاميّ ويرى فيه عامل قوة موحّد، لذلك لا يجوز للناقد أن يعمّم نظرة الأدباء الإيرانيين الدونيّة إلى العرب، وكذلك لا يجوز تعميم صورة الإيرانيّ البشعة في الذهنيّة العربيّة، لأنّ معظم الصور مرتبطة بالواقع السياسيّ الناتج من علاقة السلطات الإيرانيّة بسلطات الدول العربيّة، وإن كانت بعض الآراء شخصيّة ومرتبطة بتكوين الأديب النفسيّ والاجتماعيّ.
 إنّ الصورة المنمّطة في بعض النصوص الأدبيّة الإيرانيّة يقابلها صور بشعة عن الفرس، في وجدان بعض العرب، وهذه الصور تقول، وفق ما هو متداول، إنّ الإيرانيين شوهّوا وجه الإسلام، وخدشوا وحدة العرق العربيّ، ولوّثوا أنساب العرب وقيمهم الأصيلة، كالكرامة والشجاعة والأمانة، ونشروا الكذب والنفاق، ولأنّهم، قبل كلّ شيء، أعداء الأمّة العربيّة منذ فجر الدعوة الاسلاميّة، وقتلة الخلفاء الراشدين، وناشرو الفتن.
 استنادًا إلى المعطيات السابق ذكرها يمكن القول إنّ بعض الأدباء الفرس يحمّلون العرب مسؤولية انهيار ثقافتهم وحضارتهم، وينظرون إليهم نظرة استعلاء ممزوجة بالاحتقار، وأنّ بعض العرب، أيضًا، يعتقدون أن الفرس وقفوا  ضد الحضارة العربيّة، وأنّهم مجوس لم يسلموا بعد، وهذه الاتهامات المتبادلة لها أبعاد سياسيّة تنتج صورًا تخدم الأهداف والمقاصد التي ترغب في تكريسها سياسات دوليّة، فتعمل على تجييش المجموعات البشريّة ، لتقف إلى جانب السلطات السياسيّة وتقاتل العدو المفترض بعقيدة وطنيّة وقوميّة وعرقيّة ومذهبيّة.
 إنّ الواقع الثقافيّ العربيّ، اليوم، يكشف عن نجاح مخططات السلطات السياسيّة، وعن تحقيق بعض الأهداف التي ظهرت من خلال خوف المثقفين العرب من المشاركة في ملتقيات فكريّة إيرانيّة عبّر عنها بعض المشاركين في ندوة الأدب المقارن في جامعة فردوسي، فلقد أكّدت أستاذة جامعيّة من بلد عربيّ رفض الأساتذة  وخوفهم من المشاركة في ملتقيات ثقافيّة إيرانيّة. فما دور قمع السلطات في إضعاف التفاعل الثقافيّ والفكريّ ؟ وهل يجوز أن تُريّى الأجيال العربيّة والإيرانيّة على رفض التفاعل الفكريّ والحضاريّ؟ وكيف تظهّرت صورة الإيرانيين في الثقافة العربيّة؟
  رصد الدكتور طلال العتريسيّ[5]  في دراسة علميّة، عنوانها، "صورة الإيرانيين في الكتب المدرسيّة العربيّة"[6]، ورأى أنّ مناهج الجمهوريّة العراقيّة أكثر المناهج العربيّة سلبيّة، لأنّها ركّزت على ربط الحاضر بالتاريخ الإسلاميّ، وحرّكت العواطف الدينيّة، وركّزت على أنّ الإيرانيين متعصبون عرقيًّا، وخالقو فتن، وأنهم  شر مطلق وأعداء. وهذه الصورة ترسّخت في ذهنيّة الشعب العراقيّ، وتناقلها بعض المثقفين العرب الذين يؤكّدون صعوبة التفاعل الفكريّ مع المثقفين الإيرانيين المفاخرين بنظرة الاستعلاء والشوفانيّة، وبتفوّق الشعب الفارسيّ الآريّ.
 تظهر عملية رصد للواقع الثقافيّ الإيرانيّ أنّ الحرب العراقيّة/ الإيرانيّة حرّكت الأنا الفارسيّة، وخلقت حقدًا كبيرًا في نفوس الإيرانيين، ما جعلهم يبالغون في رسم صورة الاستعلاء، لأنّ تلك الحرب أفرزت  مآسي اجتماعيّة وإنسانيّة عبّر عنها بعض الروائيين الإيرانيين، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر أحمد محمود ومهدي سحابي وناصر حسيني بور، وكانت رواية ناصر" القدم التي بقيت هناك" أكثر الروايات تصويرًا  لما تعرّض له الأسرى من وجع الأسر وذلّه، ولذلك كانت هذه الرواية موضوع الدراسات والتحليل والنقد، لكونها تتسم بالمصداقيّة ودقّة التصوير، وتنقل تجربة ذاتيّة عاشها الكاتب، فيصوّر، من خلال مشاهداته، حقيقة العلاقات الإبرانيّة الفارسيّة.
كتب ناصر حسيني بور روايته " القدم التي بقيت هناك"  بعد عودته إلى وطنه مع عددٍ من الأسرى نتيجة صفقة التبادل، فكانت هذه الرواية أشبه بمذكّرات يوميّة استرجعها الكاتب بعدما نال حريته، فاستطاع بواسطة اللغة السرديّة أن يرسم لوحات تنطق بالمآسي والعذاب والظلم والقهر، لأنّ أسلوبه الحكائيّ جاء متماسكًا ومترابطًا ومشحونًا بصور تنطق بالأحداث، وتخبر عن الشخصيات العراقيّة والإيرانيّة، وعن الأمكنة وأساليب التعذيب وما تتركه من آثار جسديّة ونفسيّة، وتنقل، في الوقت عينه، عملية رصد التطورات والتفاصيل اليوميّة التي عايشها في خلال عامين كان فيهما أسيرًا لدى السلطات العراقيّة.
 لم يُظهر الكاتب في روايته حقدًا أو كراهية للعرب، وإنّما كشف عن العداء القائم بين العراقيين والإيرانيين، وأنطق كلماتِه وصورَه  بما يضمره، أولاً، من حقد على الذين أذاقوا الأسرى شتى أنواع التعنيف والتعذيب والإذلال، و، وثانيًا، من احتقار للإيرانيين المتعاملين مع السلطات العراقيّة، وذلك في أزمنة متتابعة وأمكنة اختلفت جغرافيًّا وتماثلت من حيث علاقة  الأسرى الإيرانيّين بسجّانيهم العراقيين، هذه العلاقة التي رسمها الكاتب بلغة مشحونة بالصور والدلالات القابلة للقراءة والتظهير والتأويل.
ثانيًا: البنية السردية وتشكيل الصور في رواية " القدم التي بقيت هناك"

 تتناول رواية" القدم التي بقيت هناك" مشاهدات شاب إيرانيّ شارك في وحدة التخريب الإيرانيّة وهو ابن أربعة عشر عامًا، ثم انتسب إلى وحدة الاستطلاع والعمليات، فوقع أسيرًا في يد الجيش العراقيّ في جزيرة "مجنون" وكان له من العمر ستة عشر عامًا، بعدما أصيبت قدمه، فحاول أن يكون، في أثناء أسره، راصدًا دقيقًا للأحداث ولما شاهده وشهده من تعذيب جسديّ ومعنويّ.
تظهر البنية الكليّة الظاهرة أنّ الرواية يكتبها سارد هو عينه البطل الذي وقع في الأسر،  فرصد الأحداث، وأنطق الشخصيات الرئيسة والثانويّة بمشاهدات  ووقائع ترك بعضها الاعتزاز في نفس الراوي، وشوّه أكثرها صورة سجّان يتفنّن في أساليب التعذيب والضغط النفسيّ والإذلال والقهر، وذلك من خلال بنية لغويّة أجادت رسم صور  تنوعت أنساقها وأشكالها، وفق ما تولّده عمليتا التحوّلات والتنظيم الذاتي، فعكست الصور حقائق إنسانيّة ومواقف ومشاهد وعذابات نفسيّة وجسديّة تناغمت ومقاصد الراوي وأهدافه وغاياته.
  بدأت الرواية بسرد الأحداث التي سبقت لحظة الوقوع في الأسر،  فالسارد يحدّد الزمان والمكان اللذين شهدا بطولات المجاهدين الإيرانيين، ويشير إلى أهمية عملية الرصد والاستطلاع التي كان يؤديها بطل الرواية فقرأ من خلال الرصد هجومًا واسعًا سيحدث عمّا قريب[7]، ثم يستطرد ليخبر عن طبيعة التواصل بين المقاتلين وبين المسؤولين، وعن أحاديث تظهر قناعات الرفاق وإيمانهم ورغباتهم ومشاعرهم، فيسند الكلام إلى أشخاص حقيقيّين يؤكّد حضورهم مصداقيّة الأحداث، وشجاعة المقاتلين وتضحياتهم على أرض المعركة التي شهدت هجومًا مكثفًا شنته قوات الحرس الجمهوري العراقيّ وأدت بعد معارك متواصلة إلى سقوط عدد كبير من الشهداء  وإلى إصابة قدم الراويّ ومن ثمّ وقوعه في الأسر.
يربط الكاتب من خلال سرد الأحداث والوقائع اسم الجيش العراقيّ، قبل عملية الأسر، بمصطلح العدو، لأنّه يحاول السيطرة على أرض إيرانيّة يدافع عنها الراويّ إلى جانب المجاهدين، فهو،إذًا، في موقع مدافع يفرض عليه صدّ جيش العدو ومقاتلته، وهذا  الجيش قويّ ويتمتع بعقيدة عسكريّة، وبقدرات هجوميّة ودفاعيّة كبيرة، فـظهرت من خلال اللغة السردية نظرة المقاتلين الإيرانيين إلى الجيش العراقيّ المتمايز بدقّة التنظيم والتخطيط، فوصفه الراوي قائلاً: "نظّم أهدافه، وثبّت مواقع رماياته من خلال إطلاق القذائف الفوسفوريّة"[8] ، فهو جيش قويّ ومدرب ويمتلك استراتيجيّة عسكريّة طبّقها في عمليات الهجوم ، ولذلك " بدأ العدو هجومه من عدة محاور"[9].
لم يكن كلام الراوي على بطولة الجيش العراقيّ مدحًا، بقدر ما كان افتحارًا بمجاهدي بلاده، لأنّهم استطاعوا مواجهة ـأبطال مدربيّن ويمتلكون وسائل قتاليّة متطوّرة، ومع ذلك كبّدوهم خسائر كبيرة، وسقط له قتلى ووقع فريق استطلاع له في الأسر، فرسم صورة واضحة تعكس الاعتزاز والفخر في لوحة كلاميّة تقول:" أسر شباب لواء الإمام الرضى فريق استطلاع للعدو..."[10].
لقد حرص الكاتب، إذًا، من خلال سرد الأحداث قبل الوقوع في الأسر على رسم صورة بطوليّة للجيش العراقيّ النظاميّ، ليس محبّة أو تقديرًا لجيش معادٍ، بل لأنّ الفعل الملحميّ لا يتحقّق من دون توازن بين القوى المتصارعة، فالوحدات الإيرانيّة المدافعة لا تمتلك  القدرات العسكريّة عينها، ولكنّها تمتلك العقيدة الجهاديّة التي تسلّح بها المقاتلون الإيرانيون، " فعمل الشباب على إبطاء حركة العدو من خلال مقاومتهم"[11] ، ولم يكن سقوط المواقع الإيرانيّة نتيجة تخاذل أو ضعف، بل نتيجة نقص في الذحيرة فرض عجزًا عن متابعة القتال، فإذا ما انتهت الزخيرة تضعف المقاومة وتتوقّف، فيسقط الموقع "كان يكفي أن تتوقّف المقاومة في الجادة لتسقط فورًا بيد العدو"[12].
  يصرّ الكاتب على إسناد الفعل البطولي الخارق إلى المجاهدين،  هذا الفعل الذي أرعب الجيش العراقيّ النظاميّ، وأدهشته عمليات المقاومة والاستبسال، فسيطر عليه الرعب، فإذا ما سقط موقع يبقى في حالة خوف من مفاجأة يحضّر لها المقاتلون الإيرانيّون، ولذلك لجأ القادة إلى إحراق الأرض التي تمّت السيطرة عليها، ليضمنوا سلامة العناصر، فقال الراوي: "أحرق العدو الأرض بكثافة نيرانه"[13].
يرى الراوي أنّ الدقة في التخطيط والقوة العسكريّة ساعدا  الجيش العراقيّ على الانتصار في هذه المعركة،  وبسيطرة العدو على المنطقة انحصر اهتمام الراوي في التركيز على رصد ما يحيط به ليضمن سلامة تحميه من الوقوع أسيرًا في يد العدو "لم أكن أرغب مطلقًا في أن أقع بيد الأعداء وأنا مقطوع القدم"[14] ، ولكنّ أمنيته لم تتحقّق، فكان أسرٌ برع الكاتب في توصيف مشاهده بدقّة وبراعة، وفي نقل التفاصيل التي شاهدها وكان شاهدًا على حدوثها .
تظهر عملية استقراء أحداث المعركة قبل سقوط الكاتب في الأسر أنّه استخدم مصطلح العدو بكثافة، غير أنّ هذا المصطلح غاب في خلال عملية السرد والإخبار والوصف ليعود إلى الظهور بعد عملية تبادل الأسرى والشعور بالحريّةـ، فقال: " بقيت جثث الشهداء في أيدي الأعداء"[15]، وربّما كان يهدف إلى حصر مفهوم العداوة على أرض المعركة، وإلى إبراز الجوانب الإنسانيّة والملحميّة في وجدان إنسان إيرانيّ مقاوم اكتفى بعد الأسر برسم مشاهد التعذيب بصدق وموضوعيّة.
يذكر الكاتب أنّه بدأ في وضع مشاهداته على شكل رموز كان يضعها على أوراق علب السجائر وأكياس الإسمنت، وأطراف الجرائد العراقيّة، ثمّ يخفيها في ماسورة عكازه، وبعد ذلك حاول تدوينها على دفتر صنعه من الأوراق البيضاء التي عثر عليها في كتب كانت ترسلها إليهم منظمة مجاهدي خلق الإيرانيّة التي كانت تعمل على استمالة الأسرى، ولكنّ محاولاتها باءت بالفشل، ومع ذلك ازداد اصراره على تدوين المذكرات، لأنّه أراد أن يرسم فخره واعتزازه بانتمائه القوميّ وبعقيدة جهاديّة لم يضعفها الأسر، فيجسّد من خلال تصميمه وتحقيق غرضه جانبًا من سمات الإنسان الإيرانيّ المعروف بقدرته على تنفيذ مخططاته بصبر وهدوء وإيمان من أجل بلوغ الأهداف .
وجد الأسير في مستشفى  17 تموز، في أواخر أيام اعتقاله، فرصته، فأخرج القصاصات الصغيرة، والكلمات المشفرة، وقام بتدوينها على دفتر أخفاه داخل ضمادات قدمه، وهرّبها إلى إيران مع ذكريات دقيقة  جمعت أحداث "808" ثمانية وثمانمائة يوم من الأسر والتعذيب والألم والإذلال والقهر والجوع والتنكيل.
توحي طبيعة السرد بمصداقيّة السارد/ بطل الرواية  الذي يرغب في إقناع المتلقيّ بما وصل إليه من نتائج تؤكّد رأيه في أنّ ما قام به الإيرانيون في خلال ثمانية أعوام  كان دفاعًا عن النفس وعن الأرض، لأنّ السياسة العراقيّة مارست عنجهيتها واعتداءاتها على الأراضي الإيرانيّة، بدعم من بعض الدول العربيّة التي ظهر دورها من خلال عناصر عربيّة غير عراقيّة كانت تقاتل إلى جانب عناصر الجيش العراقيّ. وهذا العرض يضمر شعورًا وطنيًّا بالنسبة إلى المواطن الإيرانيّ، وإشارات إلى تآمر بعض الدول العربيّى ورغبتها في إضعاف إيران واحتلال أراضيها، وهنا تبد الصورة التي برزت في كلام هدايت وغيره معكوسة، فالإيرانيّ، وفق رؤية الراوي، لا ينظر إلى العرب نظرة دونيّة، بل نظرة ريبة وخشية. فالجيش العراقيّ ظالم ومعتدِ، والإيرانيّون مدافعون عن أرضهم وحريّتهم. والفرق كبير بين مدافع ومعتدٍ، ألم يقل الرسول" عليه الصلاة والسلام:" العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم"؟
تتأكّد هذه الفرضيّة التي أسّس عليها الكاتب روايته في براعة توظيفه احتلال الجيش العراقيّ أرض الكويت، فربط مصطلح المحافظة التاسعة عشرة  الذي أطلقته السلطة العراقيّة على الكويت بالمصطلح عينه الذي أطلقته هذه السلطة نفسها على محافظة خوزستان في بداية الحرب، ووضع هذا المصطلح على خارطة العراق، لأنّهم" أرادوا الإيحاء إلى أطفال العراق أنّ خوزستان جزء من بلدهم"[16]، ولذلك، "تألم الأسرى الإيرانيون عندما سمعوا بضم الكويت إلى العراق على أنّها المحافظة التاسعة عشرة من محافظات العراق"[17]. فالظلم ظلم في وجدان الراوي، وما يُتهم به الإيرانيون من كره للعرب ليس دقيقًا، والدليل ما أصابهم من ألم عندما اجتاح الجبش العراقيّ الكويت.
تُظهر تقنيات السرد أنّ الكاتب يوظّف الأحداث والشخصيات والحوارات والزمان والأمكنة والكلّ الحكائيّ ليبرهن أنّ عداءه ليس للعرب وليس للعراقيين وإنّما لمجموعات أمعنت في التعذيب والقهر، فعرب إيران جزء لا يتجزأ  من نسيج الأمة الإيرانيّة، ولذلك وقعوا في الأسر وهم يحاولون الدفاع عن حدود بلادهم، وكذلك حال الأرمن الإيرانيين الذين كانوا أكثر ارتباطًا بوطنهم من عناصر مجاهدي خلق الذين شاركوا العراقيين في تعذيب  الأسرى وفي إهانتهم، فعبّر السارد عن شعوره هذا بقوله:" كان الأسير الأرمني حنونًا ويتحمّل المسؤولية...كنت أشعر بالارتياح لكون أحد الأرمن هو ممرضي"[18] ، وفي هذه الصورة إشارة إلى تفكير المجاهدين المتحرّرين من الاستعلاء والفوقيّة، لأنّ ما دوّن جاء بعد مرحلة الأسر، وهذا الموقف يبدو واضحًا  في وجدان الشعب الإيرانيّ بعد الثورة، وبخاصة ما يظهرونه من دفاع عن القضية الفلسطينيّة. أليس الفلسطينيون عربًا؟
 تعكس الرواية براعة  الكاتب في الوصول إلى أهدافه، لأنّه أتقن  تشكيل عدد كبير من اللوحات الناطقة بنظرة الأسير الإيرانيّ إلى المحققين والحرّاس وعناصر الجيش المتعددي الطبائع، فجاءت  الصور التي تأطرت في رواية "القدم التي بقيت هناك"  متنوعة بتنوع العلاقات البشريّة، وهذه الصور يمكن تظهير بعضها وقراءة دلالاتها، ومن ثمّ الكشف عن مقاصد وغايات ظاهرة ومستبطنة من خلال قراءة دلالات الصور .
ثالثًا: تظهير الصور ورشحها الدلاليّ

تكشف قراءة رواية " القدم التي بقيت هناك" عن تباين في نظرة الكاتب إلى الإنسان العراقيّ، فهو يرصد العلاقات الإنسانيّة من خلال مرآة المصالح السياسيّة التي ولّدت رغبة في  استباحة الحدود الجغرافيّة وبسط السلطة على أرض الجوار، غير أن النتائج لم تكن إلاّ خرابًا ودمارًا وقتلًا وأسر عشرات الآلاف من الرجال الأصحاء والجرحى.
جاءت الرواية  مشحونة بالصور القابلة للتظهير والتأويل، لأنّ الكاتب استطاع أن يشكّل لوحاته ببراعة لغويّة تعكس نظرة العراقيين إلى الإيرانيين، ونظرة الأسرى الإيرانيين إلى العراقيين، فتعدّدت الصور وتنوّعت الدلالات التي عكست في بعض جوانبها أفكارًا مسبقة أنتجت مواقف تتناقض والقيم الإنسانيّة، فهي الحرب ونتائجها اختزلها الكاتب في ثلاث كلمات  " يحرقون، يقتلون، يمزقون"[19].
 ترسم الرواية الصراع بين القوى المتحاربة على الجغرافيا، وتكشف عن سلطة العقلية العسكريّة التي تلغي من قاموسها مفردات الرحمة والشفقة، فنتج من ذلك  أشكال مؤلمة للقتل والخراب والدمار والسطو والأسر والتعذيب، حفظها الكاتب  في عقله وقلبه ووجدانه، ثم أعاد تظهيرها في صور لغويّة سلبيّة تخبر عن عناصر عسكريّة خلت قلوبهم من الرحمة، فلم يرأفوا بعجز صبي كان يرعى الماشية إلى جانب أخيه، فوقعا في الأسر بعد ما أخذ العراقيون خرافهما وجعلوا منها طعامًا لأحد الفيالق العراقيّة في المنطقة الحدوديّة، ولم يشفقوا على الصبي ذي التسعة أعوامًا فعانى عذاب الأسر في مخيمات تكريت[20]. وهذه صورة تثبت أنّ السلطة العراقيّة لا تحترم حقوق الأطفال والمعاهدات الدوليّة.
لم يكن تصوير الكاتب حالة الطفل الأسير مسيئة بالقدر الذي تسيء فيه صورة قدم تكاثرت عليها الديدان، فالكاتب يرسم حقيقة مؤلمة عاشها قبل أن تُبتر قدمه، فقدّم توصيفًا  دقيقًا يحمل المتلقي على الحنق واللوم والألم ومشاركة الأسير قلقه ووجعه وخوفه، لأنّ قلوب الحرّاس والمحققين تصحّرت وتحجّرت مشاعرها الإنسانيّة. فأي شعور ينتاب المرء وهو يقرأ  الصورة المؤلمة والمأساويّة التي وصلت إليها قدم الرجل؟ يقول الكاتب:" لقد أدت الالتهابات الشديدة إلى تكاثر الديدان على جرحي، وبدأت تنتشر على كلّ جلدي، وتسلبني راحتي، كانت تنتقل ليل نهار على وجهي ورأسي، أيضًا، وكانت تسلبني النوم، ولكي لا تدخل إلى أذني ، وضعت عليهما قماشة تغطيهما"[21] ، فأيّ صورة هذه التي أجاد رسمها بكلمات ناطقة بدلالات الظلم والجبروت والتعذيب واللاإنسانيّة؟ إنّ براعة الكاتب في التقاط الصور وتظهيرها تكشف جانبًا من شخصية الإنسان الإيراني التي أراد إبرازها وسط هذا الكم المخيف من أساليب التعذيب، فالكاتب على الرغم ممّا تعرّض له، ينظر إلى الجانب الإيجابيّ، ويرى  في حماية أذنيه من دخول الديدان إليهما نصرًا حقّقه بفضل قماشة غطتهما.
 يركّز الكاتب على تسلّح الإنسان الإيرانيّ بالإرادة وبالإيمان وعلى تمسّكه بممارسة الشعائر الدينيّة، فالأسرى يصرّون على أداء فريضة الصلاة من دون مبالاة  بالظروف السيئة المحيطة بهم، صحيًّا ونفسيًّا، فهم يصممون على إقامة مجالس العزاء في المناسبات الحسينيّة، وعلى ترسيخ أسس العقيدة الجهاديّة في نفوس ترفض الاستسلام، فجاءت التراكيب مشحونة بدلالات دينيّة وإيمانيّة وعقائديّة واجتماعيّة وعسكريّة ونفسيّة وقوميّة .
تفنّن الكاتب  في إنتاج لوحات لا حصر لدلالاتها، واستطاع ببراعة أن يشدّ  المتلقي ويطلعه على  ظلم الطبقة العسكريّة العراقيّة الحاكمة، والتي كانت تبتكر أساليب التعذيب، لأنّ الصور وثيقة لا يمكن تكذيبها، وهي مستند يُستدلّ به على حجم المأساة التي كان يعيشها الأسرى، وعلى  أنواع التعذيب والظلم، من جهة، وعلى صبر الأسرى وإيمانهم.
  وظّف الكاتب طبيعة الأرض العراقيّة الحارة في نقل مشاهد  التغذيب والتنكيل والإذلال، فالحرارة المرتفعة في منطقة الأسر أوحت للحرّاس بأن  يفرضوا على الأسرى  لصق أجسادهم بأرض شديدة الحرارة تحت أشعة الشمس،  فقال:" كانت شمس تموز قد ألهبت أرض السجن، لدرجة كان ممكنًا، على حدّ قول الشباب، سلق بيضة عليها، كان الشباب يتمددون من دون لباس على الأرض، فتحترق جلودهم...كان الحرّاس يراقبون فقط ويتدخلّون لركل أو ضرب من يحاول من الشباب رفع بطنه عن الأرض" [22]. هذا تعذيب ماديّ ومعنويّ وثّقه الكاتب في  صور تبوح بالظلم والاستبداد والوجع والألم، وتجعل المتلقي يشارك الأسرى ألمهم ويُشفق على أحوالهم، ويحقد على الأنظمة العسكريّة الاستبداديّة.
استطاع الكاتب أن يرسم بفن ودقّة وبراعة صور العنف واللارحمة التي تظهّرت من خلال ممارسات الحرّاس والضباط والمحققين، ومن هذه الصور المؤلمة الصفع والضرب والركل واستعباد الأسرى وتسخير طاقاتهم، وإجبارهم على العمل كالعبيد من دون الاهتمام بتغذيتهم، أو بأوضاعهم الصحيّة، التي وصلت إلى حد تفشّي القمل والجرب، ومن دون احترام إنسانيتهم أو انتمائهم الدينيّ والقوميّ، فكانوا يخاطبونهم بالمجوس الكاذبين، فينقل الراوي بعض العبارات ومنها:" أيّها المجوس الكاذبون، أنتم الإيرانيون لا تجيدون إلاّ الكذب"[23]
رسم الكاتب صورًا تعبّر عن إصرار الحرّاس العراقيين على إذلال الأسرى وتجريح مشاعرهم، فهم يمارسون تعاليًا واحتقارًا واشمئزازًا وقرفًا وعنجهيّة، فجاءت الصور ناطقة بدلالات لا إنسانيّة وبخاصة عندما نقل بعض المشاهد التي تعكس النظرة الدونيّة المتحكّمة في الحرّاس وتكشف عن قرفهم من ملامسة الأسرى، وتبرّر ظاهرة استخدامهم بقايا المعلبات أكوابًا، فقال: "كان بعض العراقيين يكرهون الإمساك بأيدينا أو مساعدتنا كانوا يقولون لنا: أنتم الإيرانيون نجسون وإذا ما أمسكنا بأيديكم علينا أن نطهّرها، وربّما كانت هذه الفكرة سببًا في أنّ أكواب الأسرى كانت من بقايا المعلبات"[24] .
ممّا لاشكّ فيه أنّ الكاتب أسند الصفات السلبيّة إلى معظم عناصر المؤسسة العسكريّة الذين تعرّف إليهم، ولكنّه لم يقصر رأيه على السلطة العسكريّة، بل حاول  من خلال السرد أنّ يبرز صورة  رسّخها الفكر السياسيّ في أوساط  المجتمع العراقيّ، فالإيرانيون، وفق قناعاتهم، مجوس نجسون، وهذا ما قرأه الكاتب في كلام الحرّاس وفي كلام من رآهم في المستشفى، وفي وجدان العامة من الشعب العراقيّ،  وذلك عندما تدافع الناس لرؤية السجناء لحظة توقّفت الشاحنة العسكريّة لتملأ الوقود في أثناء نقل الأسرى إلى تكريت، فيقول:" كان سجّانان يراقباننا، وعندما علم الناس العاديون الذين كانوا ينتظرون دورهم في محطة البنزين لملء سياراتهم بالوقود، أنّنا أسرى  إيرانيون، جاؤوا ليتفرجوا علينا، نادى بعض الشباب الفضوليين آخرين ليأتوا ويتفرجوا علينا قائلين: مجوس، أسرى إيرانيون..حرس الخمينيّ...وجاء المسؤول عن خزان الوقود، ويداه مملوءتان بالدنانير العراقيّة لرؤيتنا، وكأنّه يفضّل ذلك على استلام النقود من السائقين. كلّ الذين كانوا في محطة الوقود كانوا يتفرجون علينا مشدوهين....رمت إحدى العجائز...نعلها البلاستيكي نحونا"[25]. ربّما كان هذا المشهد نتيجة مناهج التربيّة والتعليم في المدارس العراقيّة. فهل كانت أهداف المناهج تصنيع رؤية ثابتة غايتها ربط النظرة إلى الإيرانيّين بعين الحقد والكراهيّة والمعاداة والاحتقار لكونهم نوعًا مختلفًا وأقل شأنًا من  الشعوب العربيّة؟
إنّ استنطاق التراكيب والعبارات يقود إلى رغبة الكاتب في التركيز على نواتج الإعلام السياسيّ الذي يدجّن تفكير الشعوب، ويفرض حالة عداء بين الإنسان وأخيه الإنسان، قترتسم صورة الإيرانيّ في لا وعي العراقيّ إنسانًا غريبًا ومختلفًا، وترتسم صورة  الإنسان العراقيّ في وجدان الإيرانيين عنصريًّا حاقدًا وظالمًا وشتّامًا وفاقدًا الشفقة والرحمة، وعاجزًا عن التمييز بين الصواب والخطأ، لكونه منقادًا إلى نظام سياسيّ بطواعيّة حرمته النظرة الموضوعيّة والقدرة على التفكير ومقاربة القضايا بالفكر النقديّ المنطقيّ، فكان حكمه على الأسرى بالقتل لأنّهم مجوس لا يستحقون الحياة " إنّ هؤلاء المجوس لا يستحقون الحياة يجب أن يتمّ تطهير الأرض من وجودهم، إنّهم يستحقون الموت فقط"[26] .
 يحاول الكاتب أن يبحث عن أسباب تعلّل نظرة الحقد والعداء، فيذهب إلى الاعتقاد أنّ شعور العراقيين السلبيّ راسخ  في الذاكرة العراقيّة، ويحيل القضية على فكرة تؤكّد انتصار العرب على الفرس في معركة القادسيّة، وهذه المعركة يعيد فصولها اليوم الجيش العراقيّ، والدليل على ذلك أنّ الحراس "يذكرون الأسرى الإيرانيين بانتصار العرب على الفرس في معركة القادسية، ويسمّون حربهم مع إيران معركة القادسية الثانية"[27]. فلماذا كان العراقيون يصرّون على تحقير الأسرى الإيرانيّين؟ ولماذا ربطوا حربهم على إيران بمعركة القادسيّة؟ هل كانت الأسباب نفسيّة أم دينيّة أم قوميّة أم سياسيّة؟ وهل يحقّ للشعوب أن تؤسّس حروبها على أحداث تاريخيّة قديمة في عصرٍ شهد التطوّر العلميّ والحضاريّ؟  ولماذا تتراجع القيم الإنسانيّة؟
 يظهر الكاتب الجيش العراقيّ جيشًا قادرًا عسكريّا، ولكنّه يصرّ على رسم صورة غير إنسانيّة لمعظم العناصر، فأظهرهم من خلال العبارات قساة  ظالمين يفتقرون إلى أدنى القيم الإنسانيّة، فهم  يذلون جثث الشهداء ويدفعون الأسرى بأحذيتهم العسكريّة، فارتسمت الصورة البشعة من خلال عبارة تقول: " وقف ثلاثة أو أربعة جنود ...يلتقطون الصور التذكاريّة الفرديّة والجماعيّة مع الشهداء. دفعني أحدهم بحذائه العسكري، عندما وقعت على ظهري وضع قدمه على صدري والتقط صديقه صورة تذكاريّة له"[28]. تشير هذه اللوحة إلى انعدام الشعور الإنسانيّ وإلى ظلم عاشه الأسرى، وإلى خضوعهم لقرارات لا رحمة فيها، وبخاصة عندما يمارس الجنود القسوة والظلم والتعنيف والاستبداد، فيحرمون الأسرى من شرب الماء على الرغم من شدة الحرّ، فيقول الراوي:" لم يسمحوا لنا بشرب الماء، فقد اثنان أو ثلاثة من الشباب وعيهم من شدة العطش، وقد استشهد أحد الأسرى. ألقيت جثته في زاوية السجن في هذا الحرّ الشديد"[29].
 يربط الراوي تصرفات عناصر الحرس بالحقد المقرون بالاحتقار لأفراد ينتسبون، وفق قناعاتهم، إلى مجتمع يدعي الإسلام، وهو ما زال محافظًا على معتقداته الدينيّة المجوسيّة، فكانت هذه القناعة الراسخة في تفكير العراقيين السبب الأساس في قهر الأسرى وتحقيرهم وإذلالهم والنيل من معتقداتهم الدينيّة، وهذا الشعور تجسّد في عدد من مشاهدات الراوي المرسومة في لوحات لغويّة تحفل بالمعاني والدلالات، ومن هذه المشاهدات ما وقع من أحداث في غرفة الحرس، أجاد الراوي تصويرها ببراعة ووضوح، فقال: "ذهبت إلى غرفة الحرس. أطفأ حامد السيجارة بحذائه وصفعني به خمس عشرة صفعة على وجهي. حاول سلوان منعه. عندما سألته لماذا تصفعني بحذائك؟ قال محاولاً استثارة غضبي: لأنّك مجوسيّ لا أريد أن ألمسك بيدي"[30] .
 يركّز الكاتب على أنّ الحرّاس لم يسمحوا له بتأدية فريضة الصلاة وفق الأصول الدينيّة، لأنّه، وفق ما ساد في ذهنية الشعب العراقيّ، غير مسلم ولا يصلي، وهذا الاعتقاد السائد لخصّه سؤال ضابط عراقيّ برتبة ملازم" وهل الإيرانيّون يصلّون؟"[31] فهل حقيقة أنّ الشعب العراقي يحفظ في ذاكرته صورة بشعة عن الإنسان الإيرانيّ؟  وهل هم ضحايا الإعلام السياسي الموجّه؟ كيف استطاعت المصالح السياسيّة أن تقوم بعملية غسل دماغ للشعب؟
يصور الكاتب حدة الصراع النفسي الذي عاشه الأسرى الايرانيون، ليضيء على صور بشعة ترسخّت في يقينه، غير أنّه لم يكتفِ برسم صورة القتل والإرهاب والتعذيب، بل حاول أن يجسّد حالة الطمع والجشع  في إطار تخبر تفاصيل لوحته عن ضابط عراقيّ أغراه المال، فغطّى على حقيقة أسير.
أكّد الكاتب من خلال رسمه هذا المشهد  أنّ المصلحة الشخصيّة تتقدّم على المصالح الوطنيّة والقوميّة، وهذه المصالح تقود صاحبها إلى عقد اتفاقات تتناقض والقيم العسكريّة، فالضابط العراقيّ أسر عباسًا ومعه أربعون ألف دينار عراقيّ وخريطة ومخطط عسكري للمنطقة ليسلّمها إلى المعارضة الكرديّة، أعماه منظر المال وستر حقيقة الأسير بعد أن عقد معه اتفاقًا يقوم على المقايضة، فقال الضابط  لعبّاس:" لا تخبر الاستخبارات والمحققين العراقيين بأمر المال، وأنا بدوري لن أخبرهم شيئًا عن الخريطة ولا عن هويتك وسأقول لهم إنّك مجرد مقاتل عادي... والتزم الطرفان بالعهد الذي قطعاه"[32] ، فهل أراد الكاتب أن يشوّه عقيدة الحيش العراقيّ؟ وهل هذه النظرة تشمل العناصر كلّها والشعب العراقيّ كلّه؟
 توحي كليّة الصور بأنّ الراوي لا يهدف إلى النيل من كليّة الجيش العراقيّ الذي وصفه بالقويّ والمُنظّم، بل أراد أن يرسم لوحة معبّرة عن النفس البشريّة المنقادة إلى شهواتها، فالعقيدة العسكريّة تقوّي الشعور بالدفاع عن الأرض ولكنّها لا تستطيع اقتلاع طبائع بني البشر ولا تقضي على رغباتهم وأطماعهم. وهذه الصورة عينها جسّدتها تصرّفات بعض الإيرانيين الذين اشتروا السلامة بالتجسّس لمصلحة المحققين. فالنفس البشريّة واحدة.
تظهر بعض لوحات السرد الروائيّ رؤية موضوعيّة يتمتعّ بها الكاتب الأسير، فعلى الرغم من غياب لغة مشتركة بين الأسرى و الحرّاس العراقيين، والتي ناب عنها في أكثر المشاهد الضرب والركل والتعذيب، فهو يحاول أن يكون موضوعيًّا من خلال رسم بعض الصور الناطقة  بالاحترام والتقدير، فيقول واصفًا إنسانيّة أحد الجنود يوم وقع  في الأسر، فحاول أن يرمي التراب على رأس الشهيد غلامي،  وعندما تنبّه  أحد الجنود إلى صعوبة بلوغ الغاية ساعده على تحقيق رغبته، فقال :" كان الجندي الذي يراقبني ينظر إليّ بتمعن، اقترب مني وأعطاني وعاء صغيرًا كي أغرف به" [33]، وهذا الشعور الإنسانيّ كشف عنه في رسمه لوحة  تجسّد دلالتين متناقضتين، وهذه اللوحة التقط مشاهدها في سجون العراق عندما كان الجنود يبصقون عليه وهم يقرأون عبارة" حارس الخميني"  فيظهر في اللوحة عينها جنودٌ متعاطفون عبّر عن موقفهم المغاير بقوله: " كان عدد قليل منهم فقط عندما يمرّون بالقرب مني يهزون رؤوسهم متعاطفين"[34] .
 يختزن الكاتب / الأسير في مخيلته صورًا متناقضة تفصح عن جوهر الإنسان العراقيّ ومخاوفه وهواجسه في الوقت عينه، فالعناصر نظاميّون وانضباطيون، يظهرون الطاعة العمياء للرؤساء والمسؤولين،  ولكنّهم يختزنون رغبة في التحرّر من سلطة تخويف جعلتهم مسلوبي الإرادة، فراحوا  يتصرّفون بخوف وحذر، لأنّهم لا يمتلكون شجاعة الإفصاح  عن مشاعرهم الإنسانيّة، بل تتملكّهم الخشية من سلطات تجسس يشعرون بها من دون أن يروها. وهذه المشاعر  لمسها الكاتب في تصرفات حارس أشفق على وضع الأسير الجريح، ولكنّه أخفى أحاسيسه ليحمي نفسه من العقاب، وكان يحضر له طعامًا من صنع زوجه، ويضعه على حائط المرفق الصحيّ الأخير،خوفًا من الوشاية[35].
لم تقتصر المشاهد الإيجابيّة على جنود في ساحة المعركة، فالكاتب يحاول أن يضع رسومًا حقيقيّة لضباط وعناصر حرس تمايزوا بسمات إنسانيّة وأخلاقيّة، فقال:" كان ظاهر الضابط يوحي بالطيبة وقريبًا من القلب ... كان من الضباط من لا يبدو في سيمائهم علامات العداء والحقد"[36] و"قاسم كان إنسانًا مسالمًا لا يعرف الحقد والعداء...ضميره حيّ"[37] ، و"النقيب خليل كان نظاميًّا"[38] ، والنقيب عباس يبدو إنسانًا مرنًا، كثير التجارب، هادئ الخطى، وكذلك  رسم صورة جميلة لأحد أقارب الرئيس صدّام لكي يثبت حياديته، وأنّ علاقته بالضباط والعناصر بعيدة عن السياسة،  فحميد وهو  من أقارب صدام  كان إنسانًا  منطقيًّا وودودًا[39] ، و"كان سامي حارسًا نجيبًا وصاحب ضمير حيّ ، قليل الكلام، كتومًا شفوفًا حمى الأسرى الإيرانيين من العقوبة بسبب فقدان نصف شفرة"[40] .
يحرص الكاتب من خلال سرد الأحداث على إبراز موضوعيته في الحكم على المحققين، فجمع في لوحة واحدة صورتين متناقضتين، صورة تعكس التعصب والتعقيد، وصورة تجسّد العقلانيّة والمنطق، فالعقيد كان رجلاً معقدًا ومتعصبًا لبلده ولكنّ الأعلى منه مسؤولية كان فهيمًا ومنطقيًّا، ولذلك حاول ضبط عصبية العقيد في أثناء التحقيق، فإذا ما بدا غضب العقيد وبدأ يشتم الأسير" كان يطلب منه الحفاظ على هدوئه وحفظ لسانه"[41].
أسند الكاتب إلى بعض الضباط العراقيين، وإلى بعض العاملين في السجون والمخيمات والمستشفيات العراقيّة  صفات القادة الساهرين على أمن الوطن بوعي وحكمة وانضباط ومعرفة دقيقة بقدرات العدو، فالقادة العراقيون " يملكون معلومات كثيرة عن معنويات القادة الإيرانيين"[42]،  وبعض الضباط والأطباء مثقفون ومطلعون على القوانين الدوليّة و يحترمون معاهدة جنيف التي تنصّ على احترام الأسير، فقال الدكتور وسام عبد الرحمن عزت وهو إنسان محترم ومؤدب، وفق ما وصفه الكاتب:" لا يمكن لأحد أن يُسخّر أسير الحرب كعبد"[43] .
ترسم بعض اللوحات إمكانية الحوار بين الأسرى والمحققين، فتبدو عملية الاستجواب متجاوزة سلبية الاستعلاء إلى إيجابية الحوار الموضوعي الهادئ، فتنطق الصور بحوارات صادقة وهادفة بين شخصين تجمعهما الندية الإنسانيّة، فجسّد الحوار خطوة إيجابيّة في بناء علاقة مع الآخر المختلف بعيدًا من الأفكار المسبقة، وهذه العلاقة سمحت للحارس توفيق أحمد  المثقف أن يعبّر عن رأيه في الحرب العراقيّة الإيرانيّة التي "لم تجلب للعراق سوى 70 مليار دولار من الديون الخارجيّة ومئات الآلاف من القتلى"[44] ، وأن يفصح  العريف ماضي  عن معرفته بالأوضاع الجيدة التي كان يعيشها الأسرى العراقيون في إيران فكان يدافع عن الأسرى العراقيين"[45] فأتاح هذا الفضاء الحواريّ الإيجابيّ للحاج حسين شكري أن يبوح  للملازم فاضل بحقيقة علاقتهم الوجدانيّة بالشعوب العربيّة، فقال: " لقد أثبتنا من خلال دعمنا للشعب الفلسطيني أنّنا لسنا أعداء العرب"[46].
يسعى الكاتب إلى تكريس الفعل الحواريّ بين المتخاصمين، لأنّ هذا الفعل ترك نتائج إيجابيّة أنتجت صورًا إنسانيّة تنطق بجوهر الشعب العراقيّ الذي يعترف بالجميل، ويردّ الجميل بأحسن منه، وهذه القيم جعلت الدكتور مؤيد إنسانًا رؤوف القلب وودودًا، فعامل الأسرى الإيرانيين بإنسانيّة؛ لأنّ الإيرانيين عاملوا عمه الأسير بإنسانيّة، فكان يقول:" إنّي بسبب العلاقة الإنسانيّة التي كانت تربط الإيرانيين بعمي أودّ أن أخدم الأسرى الإيرانيين"[47] ، وهذه الروح الإنسانيّة عينها وحدّت بين مشاعر المتخاصمين وأحاسيسهم التي جعلت  العريف الأوّل ابراهيم يونس يخبر  الكاتب عن عمليات  السطو التي قام بها العراقيون على ممتلكات الإيرانيين العرب في خوزستان وعن رائد في الجيش العراقيّ  قتل مؤهلاً لأنّه اعترض على نهب ممتلكات العرب الخوزستانيين.
لقد شحن الكاتب روايته بفيض من الصور التي احتفظت بها ذاكرته عن زمن أسر كان مرًّا وصعبًا، وهذا الكتاب يحتاج إلى عدد من الدراسات القادرة على استنطاق التراكيب وفك الرموز وكشف الدلالات.
رابعًا: بيان البحث

كثرت الأعمال الأدبيّة التي رسمت علاقة الأنا بالآخر، وتعدّدت شخصيّة الأنا بتعدد شخصيات الآخر وتنوّعها، وكانت الأعمال السرديّة الأكثر تعبيرًا عن كشف طبيعة الصراعات الاجتماعيّة والدينيّة والاقتصاديّة والعرقيّة والجغرافيّة والإقليميّة والنفسيّة، لأنّ الخطاب السرديّ يتمايز بفضاء لغويّ حرّ ومضبوط في الوقت عينه، حرّ من حيث اختيار الشخصيات ومقاربة الأحداث وانتقاء الصور، ومقيّد من حيث ارتباطه بقوانين النحو التوليديّة التحويليّة القادرة على رسم الأفكار والرؤى والتطلعات بالتصريح تارة وبالترميز والتشفير تارة أخرى.
استطاع كاتب رواية" القدم التي كانت هناك" أنّ يوظّف ذاكرته فيسترجع صورًا تعكس مرحلة زمن الأسر وما شهده من آلام وتعذيب وشوق إلى الحريّة، غير أنّ الكاتب لم يكن همّه أن يبوح بالأنين وبالألم، بل كانت له أهداف مضمرة غايتها تصوير واقع الأسر وما رافقه من مشاهد تنطق بقساوة السجانين وظلمهم، فكان التركيز على صورة العراقيين بوصفهم يمثلون الجانب السلبي للصراع العراقي / الإيراني.
كان للصور السالبة حضور بارز ومكثّف في الرواية، فالعراقيّون معتدون، وظالمون، وفاقدو الإنسانيّة، وهم في الوقت عينه ماديّون وساديون يلذ لهم رؤية الأسير في أحقر صورة بشريّة، فكيف صبر الحرّاس على منظر الديدان وهي تخرج من قدم الجريح؟
فاضت الصور التي رسمها الكاتب بأنواع الظلم والقهر، وأظهر من خلالها انسلاخ الحرّاس عن حقيقتهم الإنسانية، ورسمهم أدوات تؤدي أدوارًا تُسند إليهم، ووضع بعض فئات الشعب في إطار يوحي بانقياده إلى سلطة تجيد بث إعلام هادف.
مما لا شكّ فيه لقد جمّل الكاتب  لوحاته ببعض الصور الإيجابيّة التي باحت بمصداقيّة الإنسان العراقيّ وبمحبته لأخيه الإنسان، وأبرز إلى جانبها صورًا ناطقة بصبر الإنسان الإيرانيّ وبشموخه  وبإيمانه بقضيته وبوطنه، فرمز من خلال بعض اللوحات إلى  البعد الإيماني والإنساني والإنتمائي الذي يتمايز به الإنسان الإيراني المقاوم، غير أنه لم يعمل على إبقاء صورة الشعب الإيرانيّ نقيّة، فأضاء على تصرفات بعض الأسرى الذين ضعفوا وقبلوا أن يكونوا جواسيس، وربّما كانت غايته إلغاء نظرية التعميم والشموليّة، فلا شعب في العالم نقي بكامله، ولا شعب سيئ بكامله.
تتمايز لغة هذه الرواية بدقّة التصوير ومصداقيته، فجاءت مشحونة بالدلالات والمقاصد والغايات والأهداف التي تحتاج إلى قراءات نقديّة تكشف عمّا استتر وراء ظلال التراكيب  من قيم وأفكار وإيجابيات وسلبيّات تتحكّم في علاقة الأنا بالأخر المختلف قوميًّا أو دينيًّا أو اجتماعيّا أو ثقاقيًّا أو حضاريًّا، فباحت هذه اللغة السرديّة  بحقائق  ظاهرة ومستبطنة وأظهرت طبيعة المشاعر والأحاسيس، وأكّدت أنّ هذه العلاقات والمشاعر والأحاسيس خاضعة لمؤثرات وصراعات وغايات  لا حصر لها.
استنادًا إلى كلّ ما سبق يمكن القول إنّ هذه الراوية تنقض معظم الفرضيات التي جعلها بعض النقّاد ثوابت لا تقبل التغيير، فهذا الكاتب الإيرانيّ المعاصر لم يظهر عداء أو نظرة استعلاء أو حقدًا، وإنّما حاول نقل الصورة  بصدق وأمانة ليؤكّد أنّ  الصراعات البشريّة  تتحكّم فيها المطامع والرغبات والأهداف السياسيّة والتوسعيّة، ولهذه الصراعات فعل تغيير وتشويه وتعمية يقصي الموضوعيّة ويُغرق المتخاصمين في متاهات الاتهامات والتضليل والتزوير التي تشوّه الحقائق وتظهّر صورًا لا علاقة لها بإنسانيّة الإنسان.
ويبقى السؤال مفتوحًا إلى ما لا نهاية؛  فمتى ينتصر الإنسان على أهوائه وشهواته وغيرته وحسده ويرى في الآخر أخًا مشاركًا له في الإنسانيّة؟ ومتى يتحرّر الأدباء من الاصطفاف الضيّق؟ وهل هم قادرون على تجاوز اعتباطيّة الاستنسابيّة والذاتيّة؟ هل سيأتي يوم يكون الأدب أساس حوار حضاريّ يجمع ولا يفرّق؟ ربّما . من يدري؟
أ.د. مها خيربك ناصر
أستاذة الدراسات العليا_ الجامعة اللبنانيّة




1-رواية ضمّنها الأسير السيد ناصر حسيني بور مذكراته في سجون العراق السريّة، ترجمة وإعداد مركز نون للتأليف والترجمة، نشر جمعيّة  المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، ط1، 2013م_1435 -
-قُدّم هذا البحث في الكويت بدعوة من رئيسة مهرجان القرين[2]
-جويا بلندل سعد، صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث، ترجمة صخر الحاج حسين، دار قدمس للنشر والتوزيع، سوريا 2007.[3]
3- ترصد الباحثة  في كتابها صعود النزعة القومية الإيرانية في فترة حكم أسرة بهلوي في إيران 1925- 1979، من خلال نماذج أدبيّة لأدباء  ظهروا في تلك الفترة، وهم  محمد علي جمال زادة (1891- 1997)، وصادق هدايت ( 1903-1951)، والروائي صادق جوبك( 1915-1998)، والشاعران مهدي إخوان ساليس( 1927- 1990)، ونادر نادر بور ( 1928-2000)، وهؤلاء تجمعهم نزعة فارسية طاغية ترفض كلّ ما هو عربيّ ومسلم، وتذكر أيضًا نماذج نسائيّة منها الشاعرة فروغ فرخ زاد ( 1933- 1966)، والشاعرة طاهرة صفار زادة ( 1936- 2008) والروائية سيمين دانشور( 1921-2012)، والقضية عند طاهرة وسيمين، لها منحى مختلف يتمثّل في غياب العربيّ وحضور الإسلاميّ، و عند فرخ زاد تتمثّل القضية في البحث عن هوية نسوية ذاتية بعيدًا من التخلف المجتمعي، مع بعض الإشارات الناقدة للدين في بعض أشعارها، وبخاصة في ما يتعلق بالتضييق على المرأة باسم الدين، لأن فروغ زاد تعتبر قضيتها إنسانية عامة، وأنثوية خاصة، ويغيب الخطاب الإسلامي في أشعارها، كما تغيب صورة الآخر تماما عن الحضور في أدبها، لكنّ الأخريات يظهرن تأثرًا بالحضور الإسلاميّ.و تقصر البحث  في الفصل الرابع  على جلال آل أحمد ( 1923- 1969) وتصفه بالرجل المعتدل، وتعتقد أنّه يبدو مختلفا بعض الشيء عن الأصوات الأخرى الرافضة كلّ ما هو عربيّ أو مسلم أو أية أثنية أخرى، وهو يتميز بنظرته الواقعية إلى الأمور، ويحترم التنوع الإيرانيّ والدين الإسلاميّ، ثمّ تشير إلى بقايا نزعة فارسيّة استعلائيّة  عندما يتكلّم على النموذج العربي غير أنّ هذه النزعة الفارسية الاستعلائية لا تصل إلى  حد الرفض الكامل، و لكنها تشعر القارئ بتفوق العرق الآري الفارسيّ. وبخاصة عندما يمتدح اللغة الفارسية.
4-دكتوراه في علم الاجتماع التربويّ من جامعة السوربون في باريس. أستاذ علم الاجتماع التربويّ وعلم النفس الاجتماعيّ في الجامعة، عميد المعهد العالي للدكتوراه اللبنانيّة، ومدير مركز الدراسات الاجتماعيّة والتربويّة، في بيروت. عضو الهيئة اللبنانية للعلوم التربويّة وعضو الهيئة الاستشاريّة في مركز باحث للدراسات، و مجلة الغدير الثقافية-لبنان. له عدد كبير من الدراسات.
5- ألقي هذا البخث في " ندوة العلاقات العربيّة- الإيرانيّة :الاتجاهات الراهنة وآفاق المستقبل"  11-14 أيلول 1995 في الدوحة/ قطر، ونشره مركز دراسات الوحدة العربيّة.
- الرواية ، ص 15.[7]
- ص24[8]
- ص31[9]
-ص40[10]
-م.ن.[11]
-م.ن.[12]
-م.ن.[13]
.م.ن. ص58[14]
-       - م.ن. ص 670[15]
-  ص 621.[16]
-ص621. [17]
-ص213[18]
- ص 136[19]
-ص671[20]
-ص 230[21]
- ص206[22]
- ص322[23]
- ص125[24]
- 582[25]
- ص103[26]
- ص545[27]
- ص 87-88[28]
-ص207[29]
-ص618[30]
- ص91[31]
-ص314[32]
-ص86.[33]
- ص87.[34]
- ص 401[35]
- ص132.[36]
- ص361[37]
- ص 391[38]
-ص551[39]
- ص406[40]
- ص 160[41]
- ص169[42]
ص103- 579[43]
 - 278[44]
- ص460[45]
 - ص 628.[46]
- ص506[47]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق