الأحد، 18 أكتوبر 2015

الرواية اللبنانيّة وأسئلة التعدّد
عروس الخضر لالياس العطرونيّ" أنموذجًا"[1]
 أولاً:عتبة البحث
إذا كان التاريخ يكتبه المنتصر وفق رغبات السلطات وجبروتها وقوتها، فإنّ الرواية تأريخ صادق يكتبه مبدعٌ محايد قرأ المظاهر والأحداث والوقائع والتحوّلات الاجتماعيّة والسياسيّة بوعي معرفيّ يرشح بالشك وبالأسئلة وبالتحريض على البحث وصياغة ما التقطه العقل من مظاهر معقولة وغير معقولة، فيأتي المنطوق الروائيّ صورة طبق الأصل عن الأحداث، أو صورة تتجاوزها بقدر ما ترتبط بها، لكونها صورة مولَّدة من  تفاعل المرئيات والطاقات الإبداعيّة في محرق التجربة ومختبر اللغة التوليديّ.
شهدت الساحات الثقافيّة اللبنانيّة حراكًا فاعلاً على مستويات الكتابة الإبداعيّة وغير الإبداعيّة، وكان للرواية العربيّة حظٌ من هذا الحراك الذي أضاف إلى المكتبات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة عددًا من الروايات التي حاولت رسم الواقع بإبداعيّة اللغة فتمايزت صيغ السرد ودرجاته بتمايز قدرة المخيال الروائيّ على التشكيل والاختراق وعلى ضعضعة سكونيّة لذة التلقيّ، وذلك بشحن النص الروائيّ بصور لا تقدّم إجابات نهائيّة بل  تحرّض على السؤال والمساءلة.
 تركت الحروب اللبنانيّة ندوبًا في الذاكرة الجماعيّة، غير أنّ هذه الندوب لم يدوّنها المؤرخون لأنّهم معنيّون بكتابة الأحداث وفق ميولاتهم وانتماءاتهم وظروف عملهم ونوع السلطات السياسيّة والدينيّة الحاكمة والمتحكمة. ولأنّ التاريخ لا يقول إلاّ مافعلته البشريّة ولأنّ الرواية ينبغي أن تقول ما تتمنى وما تحلم به[2]، فلقد فرض الفن الروائيّ نفسه على الأدباء اللبنانيين المبدعين ليعبّروا بالرواية، ومن خلال تقنياتها، عن رؤيتهم للأحداث والتحوّلات الاجتماعيّة والسياسيّة والفكريّة، فأعادوا إنتاج الواقع المحسوس بلغة سرديّة استمدّت تيماتها من الوقائع والتاريخ وتطوّر الأحداث وتحولاتها وتناقضاتها ونتائجها، ومن مخزون ثقافيّ موسوم بالتنوّع .
تمايزت الأنساق السرديّة التي رسمت مظاهر الحرب اللبنانيّة بتمايز التجربة الإبداعيّة التي أنتجت النص الروائيّ التقليديّ الخاضع لهيمنة الصوت الواحد، وكذلك النص الروائيّ المتمرد على ثبات النسق والطامح إلى الخروج على سلطة المعايير، فجاءت بعض النصوص الروائيّة مشحونة بأسئلة تتمايز أجوبتها بتمايز طاقات الروائيين، وجاءت، أيضًا، ملتبسة بالتباس مظاهر الحرب اللبنانيّة الموسومة باللامعقول على المستويات جميعها.
عايش الأديب اللبنانيّ الياس العطروني أحداث الحرب اللبنانيّة بكلّ سلبياتها ووحشيتها، وقرأ مظاهر المعقول واللامعقول التي أنتجت كمًا من الإشكاليات والتي حاول الإجابة عن بعضها بابتكار فرضيات اجتماعيّة وسياسيّة ونفسيّة ومصلحيّة وسياسيّة، غير أنّ معظم هذه الفرضيات لم تحظَ بقبول أو نقض، وتركها الكاتب من دون إجابة فأبقى نصه الروائيّ مفتوحًا على عدد لا متناهٍ من الأسئلة الإشكاليّة.
جاءت رواية "عروس الخضر" للروائيّ اللبنانيّ الياس العطروني، والتي تتحدّث عن مظاهر الحرب الأهليّة في مدينة بيروت ملتبسة بدءًا من عنوان يغري ويحرّض على عبور عتبات دلاليّة تفيض، أيضًا، بالتباسات تَظهَر سماتُها في حوارات الشخصيات المتماثلة أو المتناقضة، وذلك من خلال  ما تنطق به أو تشير إليه فاعلية تسريد لا تقدّم جوابًا نهائيًّا عن سارد رئيس وغير رئيس، في اللحظة عينها، فالسارد الأول ، في رواية "عروس الخضر" يمارس حضورًا مقنعًا بالغياب، فحضوره مقترن بقوة الوجود لكونه السارد الرئيس غير الناطق، وغيابه متجسّد في فاعلية احتجبت وراء حركيّة وظّفت آليات السرد والإخبار بفنيّة ودقّة عاليتين.
 تظهر القراءة الأوليّة أنّ البطل الرئيس اتخذ صفة الشاهد على ما باح به الساردون جميعهم  من أخبار وروايات ومواقف قتالية أو اجتماعيّة أو وحشية أو إنسانيّة، غير أنّ هذه الصفة تكتسب بالقراءة النقديّة صفة السارد غير الناطق، لكونه حاضرًا في كليّة الأحداث والمحرك الفيزيائيّ غير المرئيّ للعبة السرد بما فيها من سرد وإخبار ومواقف سياسيّة واجتماعيّة وإنسانيّة، وبما تضمر من أهداف وغايات جاءت تلميحًا لا تصريحًا، فكان عنوان الرواية الملتبس باب عبور إلى طرح الأسئلة واستنطاق النص الروائيّ وفضّ أسرار التراكيب من أجل الوصول إلى إجابة أوليّة عن اقتران اسم الخضر ببطل حاضر غائب  في عملية التسريد والإخبار.
ثانيًا: العنوان الملتبس ومفاتيح  العبور الدلاليّة
يشير عنوان الرواية إلى بعد دينيّ، لأنّ حضور الخضر في الذاكرة المسيحيّة والمسلمة مقترن باللافناء، فالخضر حيّ لايموت، فمن هو البطل الحيّ الذي لا يموت؟ ومن هي عروسه؟ وهل منح الروائي الشخصية المحوريّة اسم الخضر؟ وهل هذا البطل غائب عن الرؤية المادية وحاضر في اللاوعي الجمعيّ؟ هل يمارس المجتمع اللبنانيّ مرواغة في علاقته مع قيم غُيّبت عن الفعل اليومي وحُفظت في الذاكرة القيميّة/ الدينيّة؟
أسئلة كثيرة يطرحها عنوان الروايّة،  والأكثر منها ما تطرحه ملفوظات رسمت صور المعاناة واللامعقول والتعدّد الايديولوجيّ والتصدّع النفسيّ والانزياح القيميّ وحالات التشرذم والانقسامات الممنهجة التي  أدارها أصحاب مصالح، لبنانيون وغير لبنانيين، فأمسكوا بالخيوط من دون أن يظهروا على خشبة الصراع والمنافسات والانتقامات والقتل والتخريب والتدمير، في بعديه الماديّ والروحيّ، ما يجعل المتلقي يتساءل عن مصداقيّة هذه التسميّة. فهل ما حدث في لبنان حرب أهليّة أم حرب مصالح؟ وكيف تكون حربًا أهليّة ومعظم أبطالها لا ينتمون إلى وطن اسمه لبنان؟ وأيّ حرب أهليّة تحصد الأبرياء بسيارات مفخّخة حرّض على إعدادها غرباء؟ وأي حرب أهلية تسعّر نيرانَها مخابراتُ العالم؟ هل تحوّل الإنسان إلى أداة قتل بجهاز تحكُّم عن بعد؟ ومانسبة مطابقة ما ورد في الرواية من أحداث وإجرام ومؤامرات واتفاقات مشبوهة مع الوقائع اليوميّة؟
هذه الأسئلة وغيرها ولّدتها قراءة رواية" عروس الخضر"  التي عكست العلاقة بين الواقع والمتخيّل من خلال حوار سرديّ تمايز بفاعليّة استراتيجيّة تحاور الواقعيّ والتاريخيّ، وتستنطق المعقول واللامعقول، وتفتح أبواب الشك،  وتطرح الأسئلة،  وذلك من خلال سرد الأحداث وحوار الأبطال الذين اختارهم الياس العطرونيّ من مشاهد اكتظّ بها مسرح الحرب اللبنانيّة، فعكست هذه المشاهد حقيقة الصور الواقعيّة المشحونة بالتناقضات والمآسيّ الاجتماعيّة والنفسّية والإنسانيّة والوطنيّة والتي لا يركّز عليها المؤرخون، لكونهم معنيين بتوثيق القضايا الكبرى وبالإضاءة على المنعطفات التاريخيّة وما يلازمها من انتكاسات أو انتصارات  من دون أن يرسموا الصورة الحقيقيّة لنتائج مأساويّة ظهرت من خلال معاناة الهامشيين والمهمّشين من حيث القرار السياسيّ ومن حيث المشاركة في اتخاذ القرارات الكبرى، ومن حيث الوضع النفسيّ والاجتماعيّ والإنسانيّ، فهؤلاء المهمشوّن يعيشون مجموعات لا رأي  لأيّ فرد من أفرادها في كلّ ما يجري من أحداث، لأنّ الحرب يديرها لاعبون لا يظهرون على خشبة المسرح، والضحايا دائمًا لاعلاقة لها بكلّ ما يحدث، ولذلك كانت مهمة الروائيّ المبدع أن يقرأ ما وراء الظاهر والمرئيّ ويوظّف الأحداث التاريخيّة ليأتي المُنتَج الروائيّ مرتبطًا بواقع ظاهرُه مُدرَك ومعروف، وأهدافه باطنيّة مستترة.
تجاوز العطروني في عمله حدود الواقعيّ والتاريخيّ  بطاقات إبداعيّة مفعلّة بمخيال روائيّ كان وفيًا للمظاهر بقدر ما منحها مغايرة رشحت بالشك وبالأسئلة، وهذا ما عبّر عنه بشكل صريح فأنطق النصّ بما يؤمن وقال:" الحرب من أهم معطياتها الشكّ، الشك في كل شيء حتى في النفس، الشك مطرقة تحطم المرئي والمخفي"[3]، فهل كان الشكّ في كلّ مظاهر الحرب اللبنانيّة مطرقة أزالت القشرة وكشفت الحقيقة؟ وهل رأى العطرونيّ بعينه الثالثة ما فاض به الشك من أسئلة تُضمر الحقائق؟ وهل رأى في هذه الحرب آثارًا لا يمكن تفسيرها بما ظهر وانكشف بل بما تخفّى واستتر؟
 تثير رواية " عروس الخضر" عددًا لا حصر له من الأسئلة التي تحرّض على البحث والمساءلة، وهذه الأسئلة تبدأ من عنوان الرواية،  ولا تنتهي عند حدود السؤال الأكبر الذي يحتاج إلى جواب عن أسباب الحرب اللبنانيّة، لأنّ الوقائع والأحداث تضمر من خلال فنيّة سرديّة إشارات إلى الشكّ في كلّ ماتبنّته القوى المتصارعة، وفي كلّ الثوابت التي آمنت بها فاعليات سياسيّة خاضت الحرب عن قصد أو غير قصد وهي تُدرك أو لا تدرك الأسباب الحقيقيّة الكامنة وراء ابتكار مسلسل الإجرام والموت المتنقّل. فالفضاء السرديّ يرشح بأسئلة أجوبتها محتجبة وراء ظلال التراكيب. فهل كان للحرب  أسباب ومخططات سبقت حادثة بوسطة عين الرمانة؟ ومن المسؤول عن إنشاء معسكرات لا نظامية ولا حكوميّة؟ وهل ماحدث خُطّط له في القبل؟ ومن سعى إلى تشويه مفهوم المواطنة ؟ ومن هم المقاتلون الوطنيون؟ هل كان المقاتلون تخريبيين أم مناضلين؟
لا يقدم العطروني جوابًا صريحًا عن هذه الأسئلة، غير أنّ  البنيات السرديّة توحيّ بأنّ الحرب اللبنانيّة خُطط لها قبل أن تحصل حادثة عين الرمانة، وهذا ما باح به أحد الساردين فقال:" الحرب الفعليّة التي نخوضها اليوم بدأت قبل حادثة عين الرمانة"[4]  والدليل على ذلك تدريبات كانت تحدث في مناطق لبنانيّة لعناصر لا تنتمي إلى مؤسسات الدولة العسكرية، ولذلك لم يصنّف العطروني إنتماءات المقاتلين في خانات المواطنة أو العمالة، لأنّه اشتغل على الفكرة، فألبس  معظم شخصياته نسقًا نضاليًّا ثوريًّا، في بعديه الإيجابيّ والسلبيّ، وترك للمتلقي حريّة استنباط الحكم. فكلّ فريق يبرّر عمليات القتل والخطف والتفجير والتهجير القسريّ بقيم نضالية ثورويّة نسبيّة يدفع ثمنها الأبرياء، وكلّ فريق، أيضًا، يصنّف مقاتلي الفريق الآخر في خانة الخيانة والعمالة من دون أن يدرك المتقاتلون أنّ زعماءهم المتحكمين في تحريك خيوط المعارك متّفقون على كلمة شرف تقضي باحترام إشارات تؤكّد وجود علاقة تنسيق وتخطيط بين القادة على جميع المحاور، وهذا الميثاق رسمه العطروني من خلال لوحة لغويّة تكشف القناع عن العبثيّة المُنظّمة، فالنار الملتهبّة وقفت بإشارة ما و" عند الانتهاء من نقل الخواجة أنطون والست هيلين إلى الجامعة الأميركية عادت النار إلى محلة القنطاري كلها"[5]. فما الأسباب الكامنة وراء ظاهر الفوضى المنظّمة والقتل الممنهج؟ ومن يُمسك بخيوط اللعبة؟
 كشفت القراءة الواعية للأحداث وللفوضى المنظمة والقتل الممنهج عن حقائق رسم العطرونيّ نتائجها غير المرئيّة، فرأى أنّ لبنان صار بيتًا منغلقًا على المآسي والذكريات، ولذلك  لا تُفتح أقفال أبواب الفرج  فيه إلاّ من الخارج، فقال: " من الخارج نقفل رتاج الداخل مثل أقفال هذا البلد."[6] فمن هو الخارج؟ ومن هم أدواته في الداخل؟ ومن  يمثّل هوية المواطن اللبنانيّ الحقيقيّ؟ وأين هو الخضر في الرواية؟ ومن هي عروسه؟
تظهر قراءة الرواية أنّ اللاعبين الممسكين بأقفال الحل كثيرون، وأدواتهم  مسلحون يتناحرون على أرض الواقع بقرار يجهلون أسبابه،  وليس من عداوة حقيقيّة بين المتحاربين، فعبدالله / السفّاح  المقاتل الكردي من ماردين والمقيم في زقاق البلاط  كسر حواجز الخوف بالفرح  وصار رفضه للحواجز  ظاهرة استثنائية  عند  كل غروب فأخرس فرحُه صوتَ الموت، لذلك ترك موته حزنًا وأثار اتهامات بين الأطراف المتقاتلة  لأنّ المحاربين  كانوا بحاجة إلى ترفيه يمتصّ ضعوط اليوم. فمن اغتال مصدر الفرحة القادمة من فوهات الرفض؟ ربّما اغتاله الخوف من احتمال سقوط الأقنعة إذا  فرضت الطبيعة الإنسانيّة الجامعة حضورها بين المتقاتلين على المحاور. فالفرح ممنوع. والتواصل الروحي ممنوع . وحدها وحشية القتال المطلب الرئيس بقرار من سلطات اقليمية ودوليّة متنوّعة.
  أظهر السرد  تنوّعًا وتمايزًا في حضور  الشخصيات الفاعلة في تطوير العمل واكتمال أهدافه ومقاصده، وارتبطت شخصية  دكر شمس( درزيّ+ كاثوليكيّ+ روم+شيعيّ+ مارونيّ+ سنيّ)، الذي يجمع اسمه طوائف لبنان باحتمالات تحرّض على القراءة والتحليل والتأويل، فهو السارد الذي يمارس حضورًا بالقوة وغيابًا عن فعل تحريك عملية السرد، لكونه الشاهد الحيّ على اعترافات المتحاورين، ولكنّه لم يكن مشاركًا في صياغة الحدث السرديّ. إنه الخارج من تحت الأنقاض الذي وطئ موته بقيامة تجسّدت في انسلاله" من ذرات التراب الذي تكوّم فجأة"[7] فتبع "قدميه المتجهتين إلى هدف ميت ومبهم"[8]، فقادته قدماه إلى  البحر حيث الرجل الأبيض الذي قدّم له قلادة شاركت في صناعة خاتمةٍ  فكريّة فلسفيّة نطق بها شيخ البحر، فقال:" قد لا تستطيع تغيير سلاحهم ولكنك تستطيع تغيير نفسك". "وجهك هو أنت هذه الملامح التي اكتسبتها بالولادة هي أنت. إن تغيرت تغيّرتَ " "وجهك هو أنت تغيّره وتتغيّر"[9]، فهل تتغيّر الذوات بتغيّر الأقنعة أم يرتبط التغيّر بالتمرّد على براءة الولادة وثوابتها؟ وهل يكون التغيّر بقرار ذاتي أم بقرار خارجيّ؟
لقد تغيّر دكر شمس عندما تمرّد على ما اكتسبه بالولادة، غير أنّ هذا التغير لم يكن ليحصل لو لم يقرّر أن يكون النسخة الثانية ليوسف، وهذا التبدّل حرّضه على أن ينتقم له من قاتله بمساعدة جانين، ولمّا أشبع حقده وأرضى نقمته ومارس فعل القتل أحسّ بالخجل والاتساخ من  جسد مركّب ومتلوّن فقد نقاءه، فوعده شيخ  البحر"بالتجدُّد في تجسّد ظاهر بين مساحات وأشكال وألوان يكتسي ما لا يرغب ويخترق بما لا يرغب لكن تجواله يستمر في طبقات طيفيّة حتى الوصول إلى حدود الحقيقة فيترك كلّ شيء وينتقل"[10]. فهل كان شيخ البحر رمزًا للخضر الناطق بحكم فلسفيّة؟ وإذا كان شيخ البحر يرمز إلى الخضر فمن يجسّد دكر شمس؟ ولماذا فقد نقاوته بعد أن ثأر لصديقه يوسف؟ ومن يمثّل يوسف الذي انتظر والده الضائع في البحر والعائد من سجون تعذيب الفريق الآخر؟
 رأى دكر شمس في عيني يوسف الفطرة والنقاء " ففي عينيه كان لا يزال يشاهد القرية"[11]  وصار بالنسبة إليه صلة الوصل الرئيسة في تقاطع حوارات الأطراف جميعها، فمن خلاله تعرّف إلى الشخصيات الساردة الرئيسة التي أضاءت على الشخصيات الهامشية والتاريخيّة والحزبية والسياسية والقياديّة، فألغى العطروني" سيطرة أحادية الراوي العالم بكلّ شيء"[12] ، واستحضر أصواتًا جسّدت أطروحات فكرية  ومواقف جدلية " فقدّم الكاتب وصفًا للفكرة وليس وصفًا لحياة البطل، فلم يتكلّم على شكل أبطاله ، بل وصفهم من خلال ما يتبنون من أفكار وقيم، فشعرُ الحاج كامل الأشيب، على سبيل المثال لا الحصر، يكشف" غبار ليال متراكم وحكايا كثيرة تتواصل ، وتعب"[13]، وعبد الله /السفاح كان مزيجًا من ضحك وبارود ودم،  يفرض سلامه بأسلوبه الخاص غير العسكري وباللباس العسكريّ، ترك استشهاده حزنًا على المحاور المتقاتلة لأنّه كان الحزن المغلّف بطبقة هشة من فرح ملون. والمفوض عارف مؤمن يرفض التمذهب والتموضع الطائفيّ، وهوغير متفائل بالخروج على الجمود في مجتمعات مكبّلة بالخوف، فقال: " لاشيء يقضي على الخوف في مجتمعنا لأنّه متأصل ومتعدد الأصول والمظاهر"[14] أما جانين فهي البطلة الوحيدة  الدائمة الحضور في الفعل أو القول، وهي صديقة دكر شمس وحبيبته ومساعدته في إنجاح مخطط القتل. فهل جعلها العطروني موازية عروس الخضر؟ إذا كان الأمر كذلك فالتطوّر السرديّ يمنح دكر شمس علامة فارقة تجعل منه عروسًا لجانين فهل هو، في الروايّة، تجلٍّ بشريّ للخضر؟ وما حقيقة هذا التجسّد والتجليّ والظهور؟
الخضر في التراث الديني قتل غلامًا وأغرق سفينة لأسباب يقينية لا يدركها إلا الخضر نفسه. فهل أباح دكر شمس لنفسه أن يتمثّل بالخضر ويقتل قاتلاً ؟ وإذا كان ما فعله يقينًا فلماذا أحسّ بالقذارة؟ وهل كان الفعل السابقُ التعليل الذي قام به الخضر قبل أن يجيب عن أسئلة موسى الراغب في مصاحبة الخضر موازيًا فعل القتل على الساحة اللبنانيّة التي عايشها دكر شمس عن قرب من دون يقين مُسبق؟
 تشير عملية السرد إلى أنّ شيخ البحر لم يقتل، واقتصر دوره على الحكمة، ولم يكن له فعل فيزيائيّ في حركيّة السرد والإخبار، فربّما كان وجوده في الرواية رمزًا إلى الضمير الإنسانيّ الذي رسمه جبران في مقالته " حفّار القبور" بصورة شبح، والكلمتان" شيخ وشبح" متماثلتان من حيث البنيّة والوزن الصرفيّان، ودكر شمس التقاه في لحظة ضياع وخوف، وجبران التقى الشبح الجبّار والمهيب في وداي ظل الحياة المرصوف بالعظام والجماجم، حيث كان يسير وحيدًا في ليلة حجب الضباب نجومه، فجسّد الشبح من خلال الحوار رمز الضمير الإنسانيّ الناطق بالحكمة وبالتحرّر من الموروث، فخاطب جبران قائلاً" إنّ بلية الأبناء في هبات الآباء،  ومن لا يحرم نفسه من عطايا أبائه وأجداده يظل عبد الأموات حتى يصير من الأموات"[15]، فشيخ البحر لا يرمز إلى الخضر ولا إلى موسى، وإنّما إلى الضمير الإنسانيّ الحكم الذي لا ينام.
 وظّف العطرونيّ علاقة الخضر بموسى بفنيّة عاليّة، فالخضر حيّ لا يموت والقيم الإنسانيّة حيّة لا تموت ولكنّها لا تقتل، ودكر شمس حيّ في وجدان الإنسان اللبنانيّ وقاتل،  وموسى الذي كان يراقب الخضر ويتعلّم منه ويتمرّد على الميثاق ويطرح الأسئلة لم يكن له في رواية" عروس الخضر" السمات نفسها، فالبحر هو مكان اللقاء والاختبار، وهو عينه مكان لقاء الخضر وموسى، ولكنّ موسى الرواية أي شيخ البحر كان مراقبًا من دون أن يتمرّد، كان رمزًا للضمير، وناطقًا بحكمة  يحتاجها الإنسان اللبنانيّ الرافض الحرب والفاعل فيها عن سابق تصوّر وتصميم. فهل كان دكر شمس رمزًا إلى وجود الخضر في الذاكرة اللبنانيّة الجمعيّة؟
تفيد معطيات السرد أنّ دكر شمس  خرج  من تحت الأنقاض ورفض أن يتلوثّ بقذارة الحرب،  ورفض أن يذهب إلى أتونها، فأخذته الحرب إليها مستغلة قيم الصداقة التي "تكون أحيانًا أقوى من صلات الدم والرحم" [16] ، فهو مثاليّ يعرف ولا يريد أن يعرف ما يجري على الأرض لأنّه لا يريد أن يعرف[17] . والخضر عالم يدرك ما يقوم به فكان فعله بإرادة واعية، لكونه عالمًا بما يكون وما سيكون، وهذه نقطة تحيل على فرضية تمنع الربط بين الخضر ودكر شمس، غير أنّ مصطلح المعرفة كان نقطة ارتكاز بين محورين، محور سلبيّ( لا يريد أن يعرف) ومحور إيجابي (عارف /عالم / يريد) ، فالإرادة عند دكر شمس سابقة المعرفة، والمعرفة في حضور الخضر موازية الفعل الإراديّ، وعدم معرفة دكر شمس مقترنة بإرادة بشريّة، لها حريّة اختيار المعرفة والحصول عليها، ومعرفة الخضر مقترنة بإرادة إلهيّة غير قابلة للرفض لكونها أصلاً ثابتًا في الوجود ومشيئة وقدرًا، وهنا تكمن اللعبة السرديّة الفنيّة، فالأبطال المبتكرون من الواقعيّ والتاريخيّ لهم بعض صفات المرموز إليه وليس كلية الصفات، فدكر شمس رمز لفكرة موجودة في الوعيّ الجمعيّ المغيّب عن الواقع، فهل يجوز القول إنّ دكر شمس  رمز للإنسان اللبنانيّ الحقيقيّ الذي يحلم بوحدة وطنيّة تجمع بين الطوائف كما جمع اسمه أوّل حرف من أسم كلّ طائفة وكما اجتمعت الطوائف كلّها على الإيمان بالخضر؟ وهل هو قادرٌ على أن يغيّر، بإرادة واعية، نفسه من الداخل؟ وهل كان له من فعل القتل الدينيّ الهادف مبررٌ ليقتل عن سابق تصوّر وتصميم وبإرادة واعية؟ الخضر قتل ثم فسّر لموسى من دون شعور بالندم لأنّ سرّ الحياة قضى أن يقوم بفعل القتل، أمّا دكر شمس فقد قتل وشعر بالندم لأنّه لا يدرك سرّ اللعبة اللبنانيّة، ولا يُدرك أسبابها ولا يستطيع تقدير نتائجها. فكان القتل بالنسبة إليه حالة انتقام ليوسف الذي كان بالنسبة إليه مصدر الحصول على الأخبار والأسرار، فهل كان يوسف رمزًا للحقيقة الناطقة بهمجيّة الحرب اللبنانيّة؟ هل كان يوسف رمز براءة أنهكتها الحرب اللبنانيّة العبثيّة ومن ثم اغتالتها؟ ربّما كان هذا الوصف يرسم ملمحًا من ملامح يوسف:" يوسف أيّها الطفل اللاهي في حقول الإرجوان. ها أنت تنظر إلى يديك الحمراوين بانشداه البراءة الحقّة. يجرفك السيل إلى حيث يريد ولا تريد....ماذا تريد أن تقول؟.. هل أنت مرهق؟ ونعس؟.. وتريد أن تنام؟..."[18]. فلماذا قرأ دكر شمس يوسف طفلاً؟ وهل دكر شمس صامت ناطق يُدرك ولا يريد أن يدرك؟ وهل مازال يحتقظ بكلام عارف عندما قال ليوسف: "أنت من طينة أخرى، غزالٌ في صراع النمور والحلبة ضيّقة"[19]
 استنادًا إلى ما سبق يمكن القول إنّ الرواية تضمر فرضية تقول بأنّ العطروني ربط بين الخضر ودكر شمس لأسباب معرفيّة وإرادية وإنسانيّة وقيميّة غير متطابقة ، غير أنّ هذه الفرضية قابلة للقبول والنقض. فليس من جواب نهائي. الأجوبة ملتبسة لأنّها مرتبطة بحرب ملتبسة. ولذلك يبقى العنوان ملتبسًا، ويبقى دكر شمس رافضًا السلاح لأنّ السلاح الحقيقيّ هو الطالع من الداخل[20] والوحدة الوطنيّة ترفض الحرب وأدواتها ورموزها وتطمح إلى نشر نعيم التعايش الوطني النابع من سلاح القناعة والمواطنة والانتماء، وربّما اختار العطرونيّ  جانين المنتميّة إلى فضاء دينيّ محدّد لتكون عروسًا للخضر/ دكر شمس، فكان لحضورها في عملية السرد فاعليّة غنى وابتكار  وتطوير وربط وصياغة  نهاية لم تكن نهائيّة.
 ثالثًا: تنوّع  السياقات السرديّة ودلالاتها غير النهائيّة
تنوّعت السياقات السرديّة التي بنى عليها العطروني روايته ومزجها في وحدة فنيّة قوامها  الوصف وأساليب الإخبار والإنشاء وفنيّة الحوار، فكان مبدعًا في توظيف الأحداث التاريخيّة/ الواقعيّة في نسيج حكائيّ متمايز بوحدات سرديّة متنوعة انضوت تحت وحدة روائيّة تجسّدت في أداور شخصيات تؤمن بإيديولوجيات مختلفة ومتناقضة، فكان للحوار  دور رئيس في تطوير أشكال البنى السرديّة، بوصفه المرتكز الأساس للربط  والوصف والإفصاح والتعبير وتطوير عملية التسريد. فجاءت البنيات السرديّة مشحونة بصور ترسم الواقع وتؤرخ الحقائق وتبوح بالأسرار، وتنطق بالنتائج غير الإنسانيّة التي أفرزها التناقض والتناحر بين أصحاب المصالح الكبرى وتفيض بأسئلة أجوبتها ملتبسة بالتباس الاستنسابيّة التي ألغت المعايير، فصارت المواطنة نسبيّة، والأخلاق نسبيّة، والإيمان نسبي، وليس من ثوابت وطنيّة:" كلّ واحد منّا في هذا البلد يتعاطف مع أحد خارجه...الذي نحاربه اليوم قد نصادقه غدًا"[21].
ساعد التنوّع والتناقض الاجتماعيّ والحزبيّ والثقافيّ والفكريّ على شحن النصّ الروائيّ بأسئلة حول الذات والآخر والهويّة والوجود ومفهوم المقاومة وشرعيّة الاغتيال والقتل ودور الآخر القويّ في رسم مصير شعوب العالم الثالث، فجاءت الأصوات تجسيدًا للصراع الفكريّ والاجتماعيّ والسياسيّ والمناطقيّ والمؤامراتيّ، وربّما عبّر بعضها عن وعي مختلف عن وعي الكاتب، لكون هذه الأصوات ناطقة بانفعالات عوالم داخلية تتعارض بتعارض رؤى الساردين الذين يلتقي الأديب مع بعضهم من دون أن يفصح عن موقعه في هذا الصراع، واكتفى بفاعليّة مخياله الروائيّ وبقدراتها الإبداعيّة/ اللغويّة التي ساعدته على رسم فضاء غير محدود لحريّة التعبير عن الذات والموقع ووجهات نظر تقنّع بها الساردون، فكان لون القناع اللغويّ، من حيث لا يقصد السارد،  إشارة واضحة إلى انتمائه السياسيّ والاجتماعيّ.
 شحن العطروني الرواية بكمٍّ من الشخصيات المحوريّة والثانويّة والتاريخية والسياسيّة والقياديّة، وكان للشخصيات دور رئيس في تفعيل عملية التسريد، ومشاركة فاعلة  في تطوير الأحداث السرديّة وتنميتها، فلم تقتصر محوريّة الفعل السرديّ وغاياته على  دكر شمس ويوسف وجانين ، بل كان لشخصيات متنوعّة دور أساس في تنشيط الفعل الحكائيّ، وتطوير البنيات السرديّة، لغويًّا ودلاليًّا وسيمائيًّا وقصديّة، وكان من هؤلاء على سبيل الذكر لا الحصر رياض الهاني وأبو يوسف وكوجاك وطوني الرميشي وعبد المعطي  وغيرهم من الشخصيات التي ساعدت في تطور الأحداث وإنضاج العمل الروائيّ.
أنطق العطرونيّ الشخصيات الفاعلة في تحريك عملية السرد "الرئيسة والهامشيّة والثانويّة" بأسماء  شخصيات أخرى كان لها حضور سياسيّ أو وطني أو اجتماعيّ أو مقاوم أو غير مقاوم ومن هؤلاء وصفي التل، وأبو حسن سلامة وكمال عدوان وسامي الصلح وبيير الجميل، ما منح العمل سمة الواقعيّة التاريخيّة لأنّ هذه الأسماء وغيرها تبقى في الذاكرة رموزًا  من التاريخ اللبنانيّ الحديث .
استحضر الياس العطرونيّ عددًا من الشخصات  المتنوعة الانتماءات، فأنطقهم بأسماء الأماكن التي تؤكّد ارتباط التاريخيّ بالواقعيّ في هذه الروايّة، فلم يبتكر أسماء مواقع غير موجودة، بل ذكر الساردون مناطق مازالت  تشكّل جزءًا من مدينة بيروت الكبرى، " زقاق البلاط-  المصيطبة-المتحف- الحازميّة –تل الزعتر- جسر الباشا- النبعة- الدامور- السعديات- الجية- باب ادريس- الكرنتينا- المسلخ- جسر المعاملتين- أنطلياس- السفلرة الكنديّة- بناية فتال.....الخ " فرسمت ملفوظات الساردين الأحداث والأفكار والتصوّرات والقيم وأشكال القتل والتعذيب التي عرفتها جغرافيّة المناطق البيروتيّة.
 لم يكن هذا العمل الروائيّ مقصورًا على السرد والإخبار، بل جاء سجلاً ناطقًا بحقائق اجتماعيّة ونفسيّة وإنسانيّة لم يذكرها المؤرخون، لأنّ الكاتب استطاع بعينه الثالثة أن يرصد  أشكال الوعي السلبيّ والوعي الإيجابيّ، والتي تعكس، حكمًا، تنوّع مصادر الثقافة واختلاف المنظورات الحزبيّة والاجتماعيّة والمناطقيّة، وما تخلّفه هذه الانتماءات من مواقف تفرض نتائج تتنافى والقيم الإنسانيّة أو تتوافق، لأنّ عملية التصنيف لا تخضع لمعياريّة متعارف عليها، بل لنسبية مراوغة تسمح لكلّ فريق أن يجد لنفسه المبررات، فكلّ قرار يتخذه المتحاربون مشروط بنسبة تحقيق المصالح مهما كانت النتائج غير إنسانيّة، فنتج من فقدان المعياريّة القيميّة سيطرة لعبة الخطف والخطف المقابل من دون ذنب، فقال يوسف عندما علم أنّ والده مخطوف: " الليلة سأخطف خمسة، عشرة إذا لزم الأمر ... هي الطريقة الأنسب...إنّه أبي. ثم لن أكون الوحيد الذي يقوم بذلك"[22].
 رسم العطرونيّ من خلال السياقات المتنوّعة  نتائج غياب القيم، وأظهر  بشاعة الجرائم الإنسانيّة التي ينفذها متحاربون أدمنوا تنشّق المسحوق الأبيض الذي يضعونه بين الإبهام والسبابة[23]، فيتفنننون في ابتكار أساليب التعذيب التي لا يقبل ممارستها وحش في غابة، ومن هذه الابتكارات الوحشيّة التي رسمها العطرونيّ بسياق يرشح بالصور ويفيض بالدلالات المؤلمة: " فتح بطنها بالحربة وهي حيّة وصراخها يفتت الصخور وهو يضحك ويسأل الذي يضحك بجانبه.صبي أم بنت"[24] .
تنوّعت  السياقات السرديّة في رواية" عروس الخضر،  وكان للحوار دور رئيس  في  الكشف عن التنوّع المكانيّ في وحدة مكانيّة هي مدينة بيروت الكبرى، وفي استحضار أزمنة كانت شاهدة على مصداقيّة  الحكايا  والأخبار المتنوعّة بتنوّع الشخصيات وتنوّع الانتماءات والصراعات والأحزاب والطبائع والأهداف والمقاصد التي تفاعلت جميعها في فضاءات بيروت السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة.
  رسمت السياقات السرديّة مستويات متنوّعة منها المستوى النضاليّ والاجتماعيّ والعقائديّ والسياسيّ والوطنيّ والإنسانيّ والثقافيّ، وأنتج كلّ مستوى أنساقًا تتقاطع بقدر ما تتناقض، فالقيم السالبة  التي تبنّاها طوني الرميشي تختلف عن القيم التي مارسها كوجاك مع أنهما ينتميان إلى المدرسة الحزبيّة عينها، لأنّ كوجاك لم يتخلَ عن إنسانيته ومناقبيته فعاش صراعًا انتهى بالهروب واختار الهجرة وبالاستعانة بأبي يوسف الذي عرف جسده أسوأ أنواع التعذيب في معتقلات كان يمارس فيها كوجاك واجباته الحزبيّة.
يكشف حوار الشخصيات من خلال بوحها وحواراتها وتحركها في الزمان والمكان عن همجيّة الحرب اللبنانيّة ووحشيتها، ويكشف السياق، في الوقت نفسه، عن رغبة الإنسان اللبنانيّ في التآخي والسلام والتعايش، فالمقاتلون أنفسهم  يتفننون في ابتكار أساليب تعذيب لا حصر لها، وهم، في الوقت عينه، يجسّدون من خلال علاقاتهم  الرفض الضمني لهذه الحرب العبثية، لذلك كان مقاتلو المحاور يتواصلون بودٍّ بين معركة وأخرى بعد أن كان تواصلهم بالشتائم، فهم " في الليل يتبادلون الأحاديث عبر المتاريس وأحيانا الشتائم حسب الظروف"[25] ، لأنّ الجغرافيا واحدة والطبائع واحدة والرغبات واحدة ولكنّ مصالح الآخرين ليست واحدة. فكيف عبّر العطرونيّ عن وجعه وقلقه وتطلعاته وآرائه  ونظرته إلى الأحداث والوقائع من خلال لغة السرد؟ وكيف جاءت الصور المبدعة بعناصر اللغة؟
رابعًا: تنوّع الأنساق اللغويّة وأسئلة الدلالة
تشكّلَ الجسد النصيّ لرواية" عروس الخضر" من عناصر لغويّة  تعالقت في أنساق   متنوعة رشحت بالصور والدلالات الاجتماعيّة والنفسيّة والفكريّة والفلسفيّة والتاريخيّة والسياسيّة، فرسمت اللغة بتعالق عناصرها صورًا ترشح بالدلالات والرموز التي تنتجها صياغة فنيّة تسعى إلى تحويل التصورات الذهنيّة إلى واقع ملموس.
وظّف العطروني في روايته أنساقًا لغويّة متعددة ومتنوعة، سواء أكان ذلك في تنوّع الأساليب أم في تنوّع اللهجات المحكيّة من لبنانيّة ومصريّة وفلسطينيّة،  فأدخل على البناء الحكائيّ عبارات لها مرجعيّاتها المكانيّة/ الجغرافيّة، وربّما كان استخدامه هذه اللهجات نوعًا من الإشارة إلى الجنسيات المتصارعة بالقول والفعل عبر الساحة اللبنانيّة، فأورد على سبيل المثال لا الحصر التعابير التالية:(- من خلف ما مات[26] -"هالخد تعود عاللطم"[27] –"لا. جد والله جد"[28]- "هادي ياخوي يلزمها مبصر"[29] –"الناس بالناس والقطة بالنفاس"[30]-"ما أنا عارف كل ده تعال بكره وكله حيكون تمام باذن واحد أحد" [31]-"شوال رز أفندم"[32] -"خذه يابا... الله يخليك"[33] -"ينطيك العافية، فاتح على حسابك ياخوي؟" [34].
كشفت لغة الرواية عن تعدد المتصارعين وعن تعدّد وجهات  النظر وعن تنوّع  وظائف الساردين  وعن انتماءاتهم الجغرافيّة والأدائيّة وعن مواقفهم الفكريّة والإيديولوجية  التي تمظهرت في خلال نسيج لغويّ حكائيّ مؤسّس على تنوّع في الصيغ وفي أساليب  التعبير وفي تعدّد  التراكيب اللغويّة المسبوكة بنظام ضابط الكلّ الحكائيّ الهادف إلى مقاصد وغايات رغب الكاتب في الإشارة إليها من دون وعظ وإرشاد.
حاك العطروني باللغة صورة واضحة عن تعدّد الصراعات وتنوعها في أثناء الحرب اللبنانيّة، فقدّم لوحة لغويّة فنيّة تظهر طبيعة  الجواسيس الذين يأتون بمهمات مختلفة ومتناقضة، فكانت مهنة الشعوذة ناجحة في مجتمع عربيّ يلجأ فيه السياسيون في المنطقتين المتحاربتين  إلى عبد المعطي ليرى لهم مستقبلهم السياسيّ الذي يقرأه وفق تعليمات مخابراتية تأتيه من دول القرار والمصالح ، فكان عبد المعطي رمزًا لشعوذة سياسيّة دوليّة اقليميّة عربيّة تدير اللعبة من الخارج والداخل بمساعدة العملاء والخونة، لأنّ أسماك القرش عندنا برية وليست بحريّة.
 رسم الياس العطروني بلغة سردية متماسكة صورة واضحة عن عمل المخابرات الدولية في لبنان وبشاعة مخططاتها  وأساليبها التي كانت تحرّض على القتل لمجرد القتل، فيتقاضى القاتل مكافأة مالية على كل شخص يسجّله عدّادُ القتل المأجور، لأنّ القتلى تدرج أسماؤهم على لوائح القبض[35]، ولذلك كان مستقبل لبنان مرهونًا باتجاه الرمح المقذوف من قوس في الخارج "المدينة تقف بمواجهة التنين، تبحث عن هويتها وترقب الرمح الذي سيقرّر مصير السنوات المقبلة"[36]، والسياسة في لبنان تحتاج إلى منجم[37].
صاغ العطروني بعناصر اللغة إشكاليات اجتماعيّة وسياسيّة وإنسانيّة، ويطرح أسئلة تحرّض على معرفة حقيقة الغابة والأسود والنمور والثعاببن في محاولة تأريخ للواقع ولصراعات النفس البشريّة وآلامها وأحزانها وتصوّراتها وطموحاتها من دون أن يعلن انتماءه إلى مكان محدّد لأنّ شخصية الروائيّ في هذه الرواية لم تتقمّص شخصيّة سارد بعينه،  ولم يكن له نظير بين الساردين فهو المعبّر عن الكلّ ببنيات لغويّة متنوعّة تجسّد الكل المتنوّع في وحدة الانتماء القوميّ/ الإنسانيّ. فهل ينتمي  الياس العطروني  إلى اللامكان أم إلى جغرافية قوميّة سماتها الإنسانيّة؟ فكيف تجلّت الأمكنة وأزمنتها وحركيّة إنسانها وأفكاره في تراكيب اللغة؟
شحن العطروني نصّه الروائيّ بتراكيب مشحونة بدلالات تفصح عن رؤية الكاتب لما كان من أحداث، فأكثر من الشخصيات الذكوريّة الناطقة باسم الحرب وأدواتها ونتائجها، وبرزت عناصر نسائيّة كانت شبه هامشيّة من حيث الحضور، باستثناء جانين المرتبط دورها بعنوان الرواية، فهل أراد العطرونيّ أن يُسند العنف إلى الرجل فقط؟ وهل دور المرأة مرتبط بالأمن والسلم؟
بدأت الرواية بتصوير امرأة السمّان التي لم تؤمن بخروج الرجل/ دكر شمس  من تحت الأنقاض، وأصّرت على أنّ رائحته ستكون دليلاً على صدق ما تقول، وانتهى دورها بإدارة الظهر والمشي وإقفال الباب، فهل أراد العطروني أن يحصر دور المرأة في الشك في لامعقوليّة الحرب، ومن ثمّ  الهروب والاختباء وراء جدران الخوف؟
لم تكن صورة هذه المرأة وحيدة في حركيّة السياقات السرديّة، بل نسج العطروني صورة مغايرة لامرأة السمّان التي تعدّ أنموذجًا للمرأة العاملة الرافضة عبثية الحرب، وكشف قذارة عمل  جاسوسة كانت وراء  مجازر البربير، والتي  " عثرت أم ابراهيم في صدرها على جهاز إرسال صغير"[38]، وأم ابراهيم هنا لها دور هامشيّ من حيث الحضور في العمل السرديّ، ودور مركزيّ من حيث الفعل المقاوم. وهذه إشارة إلى وجود مقاومات لم يُكشف النقاب عن دورهن.
كشفت لغة السرد عن صورة لنموذج نسائيّ لم يكن مباليًا بالحرب ونتائجها، فزوج مكرم بك تغزو جيوبه وتخسر على طاولة القمار، وتتعاطى المخدرات التي يدفع الرجل ثمنها، فهي بالنسبة إلى قيمه غير الموجودة حرة في علاقتها مع محسن وهو حر في علاقاته، فقضية الأخلاق أمر ثانويّ ، ولكنّ "الفضيحة كافية لحرقه سياسيًّا"[39]، فالخوف على المركز وليس على كرامة البيت. فكيف يقوم مجتمع فيه نساء ورجال تخلّوا عن المبادئ والقيم الأخلاقيّة واقتصرت اهتماماتهم على المظاهر والمراكز؟
 رسم الروائيّ صورة متكاملة الأنوثة لجانين، فهي رمز المرأة المثال، كان لها حضور فاعل في تحريك الأحداث وتطويرها وتنميتها وفي صياغة النهاية غير النهائيّة،  فاقترن حضورها بطمأنينة تنطق بالتصوير الجميل والحكمة، فيقول الروائي بلسان جانين:" أنا سمكة السطح الخائفة الراجفة، يرعبني ضجيج الموج ولون الزبد فأهرع إليك في أعماقك حيث الملاذ"[40]، ويقول بلسان دكر شمس وهو يتحدث إلى جانين:" السلاح الحقيقيّ هو الطالع من الداخل...يظل السراب حداء يرافق خبب السير...السراب ضباب الداخل... عندما نكتشفه نتوارى"[41].
جسّدت جانين بقيمها ونقائها وأخلاقها الأنثى الرمز التي تستحقّ أن تكون عروس الخضر، فنساء الأنبياء وأمهاتهم وبناتهم يجسّدن الطهارة والعفة والحكمة والاتزان وبعد النظر، ويترفّعن عن الظلم والقتل، لذلك رفضت جانين الحرب قائلة:" ثمّ..لماذا يتذابحون؟ حقًّا لماذا يتذابحون يادكر شمس؟ الحياة جميلة. كيف لا يرونها؟ الأرض تتسع للجميع ومتعتها شاسعة. كيف لا يرون كلّ هذا"[42].
تعكس لغة " عروس الخضر" قدرة الروائيّ اللغويّة التي تجلت في المتن الحكائيّ، وذلك من خلال تماسك السياقات وحوار الشخصيات الذين جاءت مواقفهم  الكلاميّة تصويرًا دقيقًا لقراءة الأحداث، ولوحدة المقاومة في جغرافيّة الفضاء المقاوم الممتد بين سوريا ولبنان، وتعبيرًا دقيقًا عن رأي الروائيّ في قضايا وطنيّة واجتماعيّة وسياسيّة وعن نظرته إلى  أمن المقاومة المتواجدة  في مناطق لبنانيّة، فالأمن في لبنان مخترق، وهذا الاختراق كان سببًا في  استشهاد كمال عدوان الذي ترك الغوطة ليُقتل في لبنان فقال العطرونيّ بلسان الحاج كامل:" كمال عدوان...لا أدري ماالذي أحضره  بعد ذلك إلى شارع فردان ليموت. كيف كان يمكن لموسادات العالم أن تطاله هناك؟"[43].
رشحت هذه العبارة بدلالات كثيرة، منها أنّ الموساد صار موسادات تعدّدت هوياتها بتعدّد الدول الخارجيّة المشاركة  في تأجيج الحرب اللبنانيّة، فأدخلت رجالها وجواسيسها بأشكال وأسماء ووظائف مختلفة كان منها وظيفة الشعوذة لكونها ناجحة في مجتمع لبنانيّ  يلجأ فيه السياسيون في المنطقتين المتحاربتين  إلى عبد المعطي ليرى لهم مستقبلهم السياسيّ الذي يقرأه وفق تعليمات مخابراتية، فكان عبد المعطي رمزًا لشعوذة سياسيّة عربيّة / دوليّة/ إقليميّة  تدير اللعبة من الخارج والداخل بمساعدة العملاء والخونة.
وفّق العطروني في رسم صورة واضحة لرجل السياسة الذي يبذل ماء وجهه ليبقى على كرسي السلطة، فمكرم بك يأمل أن يصنع له عبد المعطي شيئًا يبقيه في موقع الفعل والتأثير "فحجاب منه أوصل حامد إلى الوزارة، وآخر أنقذه من محاولات اغتيال..شيء مثل الكذب"[44]
رشحت لغة الرواية بالصور المؤلمة على المستوى القومي والوطني والاجتماعي والنفسي،  فالقضية صارت عند بعض المسؤولين مظاهر مفرّغة من القيم النضاليّة" أربع ساعات مضت ونحن نسأل في محلاّت المعرض وباب ادريس وسوق أياس عن جوارب لونها زيتي. كان لا يرتدي" المسؤول" الطقم إلاّ كاملاً...نبتت عروق الدوالي في ساقي من جرّاء البحث...لم تنبت أثناء التدريب في الهامة...نبتت في مهمة التفتيش عن جوارب"[45]، فماذا تبقّى من القضيّة إذا كان المسؤولون عبيد مظاهر تتناقض والفعل الجهاديّ؟
لم تقتصر الصور اللغويّة على نقد من أسقطوا عن  الوقت قيمة النضال والجهاد  وحوّلوه إلى وقت ضائع اختزلت قيمته في البحث عن جوارب،  بل حملت لغة الرواية نقدًا للعبوديّة المقنعة التي يتلذّذ بها العرب، فما زالت بضاعة المستعمر تحتلّ الأذواق والرغبات، لذلك لا تحرر من خارج والداخل مرهون للذات والشهوات العابرة، وهذا الارتهان الاراديّ يكشفه تعلّق الفلسطينين بتبغ انكليزيّ، فترسم اللغة صورة تضمر الرفض المقنّع بالسؤال:" فهؤلاء الفلسطينيون يا أخي عجيبة يفضلون التبغ الانكليزي رغم ما فعله الانكليز بهم"[46] ، واللبنانيّون ما زالوا في حالة تضليل: "من كثرة الصراخ تكرّس مبدأ التوازن الطائفيّ..ازداد تفسّخ البلد...نضجت ثمار الشجرة التي غرستها فرنسا قبل رحيلها. تركت مزرعة أو سوبرماركت ...لم تترك وطنًا" [47]، والصورة تؤكّد الالتزام بما خُطط لهذا الوطن من خارج لا يفكّر إلاّ بمصالحه، فأثمرت المخططات تقاعسًا على مستوى الأداء الوظيفيّ في مؤسسات الدولة المسؤولة عن أمن المواطن فيقول في كلامه على رجال الإطفاء:" الوجوه الأربعينية لشيوخ الإطفاء الرسميّ هم عادة آخر الحضور، وحين تكون النار غالبًا قد انحسرت"[48].
لقد شحن العطرونيّ لغته السرديّة بالإضافة إلى الدلالات الوطنيّة والاجتماعيّة والقوميّة، بدلالات فلسفيّة وفكريّة وإنسانيّة، فقدّم صورًا متوافقة والمواقف الكلاميّة التي رسمت رؤية الكاتب لمسرح الأحداث ولشخصياته وللتطوّرات الماديّة والمعنويّة فأتقن بأدواته الفنيّة رسم الواقع بصور فنيّة مشحونة بالتعدد الدلاليّ، وكان كلامه على الشهداء لوحة ناطقة بمشاعر وأحاسيس سكرت بخمر الثكل والفقد فأحزنها أن يصير الشهيد" صورة على جدار. ذكرى إن وجدت"[49].
نطقت اللوحات اللغويّة الفنيّة بدلالات نفسيّة كشفت القلق النفسيّ الذي ولدتّه الحرب، لأنّ شناعة  الواقع طبعت في ذاكرة اللبنانيّ مشاهد تضجّ بالألم والقلق، هذا القلق المسيطر على الإنسان اللبنانيّ الذي ظهر في حديث  شاب كان شاهدًا على فظائع الانفجارات ، يوم " عثر على يد صديقه وقد بترها الانفجار وقذف بها ..." [50] ، وفي حديث شاب آخر نجا من انفجار ووجد "ساق ولد يافع مبتورة تربض فوق صدره"  فانطبع المشهد في فكره، ولن يكون قادرًا على التحرّر من ألمه ووجعه، لأنّه " كلمّا شاهد شابًا بساق مبتورة سيظنه صاحب تلك التي ربضت فوق صدره"[51].
أضمرت لغة الرواية صورًا لاحصر لها، وبها عبّر المتحاورون في الفضاء الحكائيّ عن رغباتهم وهواجسهم وأحلامهم وأمنياتها، فامتزجت الصور الاجتماعيّة والوطنيّة والسياسيّة  والنفسيّة بصور حكميّة تحيل القارئ على التأمل في قضايا الحياة والكون والمرئيات والإنسان، ورأى أنّ الهيبة أهم من المعركة، فقال: "يكفي التهويل بالعصا للإحساس بألم يكون أحيانا أشدّ من الألم الفعليّ"[52] ، فأكّدت لغة الرواية قدرة العطرونيّ على مزج الواقعيّ بالتاريخي في مختبر الإبداع اللغويّ المفعّل بموروث ثقافيّ أضاف إلى العمل الروائيّ أبعادًا فنيّة وفرادة إبداعيّة أغنت النص الروائيّ بدلالات لا حصر لها.
خامسًا: نقطة على سطر
 جسّد النص السرديّ/ الحواريّ في رواية" عروس الخضر" ديمقراطية تعبيريّة منحت الأبطال حريّة تعبير وقدرة على رصد التحولاّت القيميّة في المجتمعات اللبنانيّة، وعلى كشف النتوءات والتناقضات  والانتكاسات والمؤامرات، ما أتاح للمتلقي وضع تصوّر أوليّ عن مظاهر الحرب اللبنانيّة وعن أدواتها ونتائجها من دون أن يعرف أسبابها الحقيقيّة، ومن دون أن يجد جوابًا نهائيًا يفسّر علاقة العنوان بشخصيات الرواية، فظلّ السؤال يحفر في الوعي النقدي باحثًا عن حضور الخضر في الرواية وعن دور عروسه.
تمايزت البنيات اللغويّة بفيض من التيمات التاريخيّة والحزبيّة والمكانيّة والسياسيّة والنفسية والاجتماعيّة والدوليّة، ومع ذلك بقى السؤال مفتوحًا من دون القدرة على وضع فرضية تشكّل جوابًا أوليًا عن الدروس التي تعلّمها العرب من الحرب اللبنانيّة. فهل سيكون للآتي قوة وعي يخرج بها المواطن العربيّ من حالة ردة الفعل إلى الفعل؟ وهل سيبقى المواطن مقموعًا بجهله؟ ربّما. لأنّ" المعرفة أحيانًا أقسى من الجهل وأمر"[53].
إذا كان الإبداع استشرافًا يقرأ الواقعيّ والتاريخيّ ويرسم رؤى مستقبليّة، يجوز القول إنّ رواية "عروس الخضر" لالياس العطرونيّ تجلٍ إبداعيّ أضمر قدرة الروائيّ على توظيف المعقول واللامعقول، والواقعيّ والتاريخيّ في لغة سرديّة قالت لحظات البوح الفذوذيّة منتجًا حكائيًّا يدعو إلى مستقبل يتمرّد أبناؤه على مخططات أنتجت واقعًا لبنانيًّا/عربيًّا مصنوعًا ومعلبًّا لمستقبل عربيّ  كتبت علاماتِه أصابعُ خارجيّة تحرّك الدمى من أمكنة لا مكان لها وفي زمن له كلّ الأزمنة. فهل سيكون للعرب مكانٌ حضاريّ يتيه به زمنٌ لكلّ الأزمنة يكتبه مبدعون عرب، فيكون تحريض على الشك والسؤال والبحث؟
أ.د.مها خيربك ناصر
أستاذة النحو والألسنيّة العربيّة والنقد العربيّ الحديث
الجامعة اللبنانيّة



1-  تتناول هذه الرواية أحداثًا وقعت في أثناء الحرب الأهليّة اللبنانيّة، ويرسم  العطروني  من خلال حوار الأبطال وحراكهم في فضاء العمل السرديّ بشاعة الحرب وأدوات إشعالها وقذارتها وهمجيتها ونتائجها وأهدافها غير المعلنة، فكان البطل الرئيس شاهدًا على المآسي الاجتماعيّة والنفسيّة والأخلاقيّة التي شوّهت وجه العاصمة بيروت، وكان رمزًا للإنسان اللبنانيّ الخارج على همجيّة الحرب والرافض التلوّث بها، ولكنّ القذارة المنتشرة على امتداد زمن الحرب الهمجيّة رفضت أن تبقي دكر شمس نقيًا غير ملوث بالقتل والدم، فعمد إلى القتل عن سابق تصوّر وتصميم، لأنّه في قرارة نفسه يدرك أنّ قتل هذا الرجل المجرم ضرورة إنسانيّة. فهل جاء فعله المقصود والمتعمَد مماثلا عمليات القتل التي قام بها الخضر لأسباب كان مويى يجهلها؟ ربّما. وهل كان الخضر رمزًا إلى حضور الإنسان اللبنانيّ القيميّ  في الذاكرة الجمعيّة ؟ أسئلة لايجيب عنها العطرونيّ فبقيت مفتوحة على الاحتمال والتأويل.وهذه الرواية صدرت عام 1993، أي  بعد انتهاء الحرب اللبنانيّة، لذلك يمكن القول إنّها  نتاج تفاعل الواقعي والتاريخيّ في مختبر الإبداع اللغويّ/ الروائيّ.  [1]
[2] - Marthe Robert, Roman des origines et origines du roman Paris,1992,p26.
- الياس العطروني، رواية عروس الخضر، دار الآداب، بيروت، ط1 1993، ص17.[3]
- م. ن. ص 112[4]
_ م.ن. ص86.[5]
-عروس الخضر 22.[6]
- الياس العطروني، رواية عروس الخضر، دار الآداب، بيروت، ط1 1993، ص 7.[7]
-م.ن. ص16.[8]
-مزنز ص298.[9]
- م.ن. ص298.[10]
_ م.ن. ص 32.[11]
[12] -R.Scholes and R.Kellog; the nature of narrative,ixford university press.1966.p.276
- عروس الخضر ص35[13]
- عروس الخضر ص51.[14]
- جبران خليل جبران، المجموعة العربيّة، حفّار القبور، ص 367.[15]
- عروس الخضر، ص181.[16]
-م.ن. ص 181[17]
-م.ن. ص147.[18]
-م.ن. ص 58.[19]
-م.ن. ص 202.[20]
- م.ن. ص224.[21]
- عروس الخضر، ص 180[22]
- م.ن. ص223[23]
-م.ن.ص211.[24]
-م.ن.ص38.[25]
- م.ن. ص79[26]
- ص 78[27]
-ص117[28]
-ص120[29]
-ص151[30]
-ص164[31]
-ص225[32]
-ص255[33]
-ص267[34]
-م.ن. ص191.[35]
-م.ن. ص108[36]
-ص117[37]
-م.ن. ص 141.[38]
 ص164-[39]
-م.ن. ص 197.[40]
- م.ن. ص 202.[41]
-ص198[42]
-ص64[43]
-ص164[44]
-ص65[45]
-48[46]
ص228[47]
- ص9.[48]
-ص189.[49]
-ص122[50]
-ص135[51]
-ص19.[52]
- عروس الخضر ص 125.[53]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق